قال: لا بأس، فادخلي واقفلي الباب، واجلسي على هذا المقعد، فتولى المرأة الذهول، فلم تدخل، واستمرت واقفة على الباب متكئة، وزاد اصفرار وجهها، ورجفت قدماها حتى كادت تسقط على الأرض لولا هم همام وصاحبه فؤاد فسنداها بكلتا يديهما وأجلساها على المقعد، ثم إنه أصابها الإغماء فأنعشاها بالروائح، وجعلا يعالجانها حتى أفاقت وعادت إلى رشدها.
وكان همام في أثناء ذلك يلوم نفسه، ويلعن الساعة التي رأى فيها وجه تلك المرأة. ونهض فؤاد يناولها كأس ماء لتشرب، ونادى الخادم فأحضر لها طعاما فامتنعت، وقالت: مرضي في كبدي لا في معدتي، فما يفيدني الطعام شيئا، وكثيرا ما يصيبني الإغماء، والله وحده يعلم السبب فيه.
قال همام: أنت على خطر دائم من مرضك، فلا يصح خروجك من منزلك؛ لئلا يصيبك الإغماء في الطريق؛ فلا تجدين من يهتم بشأنك، وينظر في أمرك معتنيا، وقد تصدمك الخيل الجامحة فتكون العاقبة سوءا عليك.
قالت: كل شيء مصيره للفناء، والموت واحد وإن تنوعت الأسباب.
قال: تستهينين بالموت، فوالله إني رأيته عيانا، فلم أسمع به، وخضت المنايا في ميادين القتال، فما أتهاون به مثلك.
ثم إن همام خشي أن يطول الجدال، ولرغبته في انصراف المرأة قال لها: مضى الوقت على غانم، فما أظنه يحضر الآن، فمن العبث مكوثك في انتظاره، وأرى الأنسب أن تختاري وقتا غير هذا لمقابلته، ولك فسحة لتزوريه، فإنه سيقيم في القاهرة مدة من الزمان.
قالت: إن لي شانا مهما يحملني على مقابلته في نفس هذا اليوم، فلا أستطيع التأخير.
وما أتمت كلامها حتى ابتلت بالدموع عيناها، وزاد الوجد في وجهها، فعطف قلب همام عليها، فطيب خاطرها بقوله: ما يمنعك أحد من انتظاره، وإن شئت فأقيمي هنا إلى أن يحضر.
ثم جعل ينظر في ساعته متأففا، ويقول لغلبة الدعابة في طباعه: ليس من حسن المعاشرة أن يبطئ الصاحب على الصاحب وقت الطعام، فها نحن في انتظار غانم نحمل في أيدينا البطون والمعدة خاوية، وما كان لي قبل عادة بتأخير ميعاد أكلي.
وما إن أتم كلامه حتى سمع حركة قادم، وانفتح الباب لغانم مسلما على همام وفؤاد، معتذرا عن إبطائه.
Unknown page