قال دوق بدفورد: روى لي أخي أن الأمير كان حينئذ في أشد حالات السكر، حتى إنه بالجهد استطاع أن يسنده ويحول دون سقوطه. وقد أفضى إلى أخي بأنه كرع عدة كأسات من الكونياك ليخدر بها أعصابه ويتمكن من تحمل هذه الصدمة - صدمة الاحتفال بالزواج على رغمه وضد إرادته.
وفي أثناء صلاة الإكليل ذرف الأمير دموعا سخينة عندما كرر رئيس أساقفة كنتربوري القول: «هل عند أحد مانع شرعي؟» والتفت إلى الملك وإلى ولي عهده. أما النتيجة المالية التي أحرزها الأمير من هذا الزواج الإكراهي فكانت إيفاء ما تراكم عليه من الديون، وزيادة دخله حتى بلغ مائة ألف جنيه في السنة.
وما أبطأ جورج بعد اقترانه بهذه العروس الغنية أن أعلن شدة رغبته في الرجوع إلى «زوجته في عيني الله» مصرحا جهارا بأنه لا يستطيع أن يحب غيرها. لكن أرملة فتزهربرت أعرضت عنه إعراضا تاما. ولما طلب إليها الملك والملكة وغيرهما من أعضاء الأسرة المالكة أن تقبل توسطهم في المصالحة بينها وبين الأمير، اشترطت أن يعترف البابا بصحة زواجها. وعندما وافق البابا على عقد الزواج عادت كما كانت قبلا زوجة محبة وأمينة لزوج ساقط الشأن وإن كان رفيع المقام. وقضت معه ثماني سنوات على ما شاءت من الصفاء والهناء. وأحسن جورج معاملتها وبالغ آله في إكرامها. وأطبق الناس على أنها جديرة بالاحترام اللائق بزوجة ولي العهد.
ولكن أنى يرجى دوام لأيام الصفاء والهناء مع رجل غملاج قلب حول كزوجها؟ فإنه لشدة تقلبه وعدم ثباته على حال واحدة، وتنقله في الحب من إحدى سيدات البلاط إلى غيرها، جرع أرملة فتزهربرت كثيرا من غصص الشقاء ونكد العيش.
وكان آخر ما أمضها منه وأكرهها على تركه هيامه بلادي هترفورد الجميلة، ولفرط شغفه بها تحول على زوجته وولاها ظهره. ولما أعدت الوليمة الملكية للويس الثامن عشر حضرت عقيلة فتزهربرت المأدبة وسألت زوجها أين تجلس؟ فأجابها بقحة واحتقار لا مزيد عليهما: «لا محل لك يا سيدتي.» فأجابته بعزة وشمم: «نعم. ولكن لو شئت لكان لي.» وعلى الفور قطعت علاقاتها بهذا الزوج الجبان الرواغ، وبموافقة الملك وغيره من أسرته انفصلت عن الأمير، وذهبت إلى بريتون حيث أقامت إلى آخر أيام حياتها، وقد تعين لها راتب قدره ستة آلاف جنيه في السنة.
وبعد ست سنوات جلس جورج على عرش أبيه فملك عشر سنوات، وقبيل وفاته أوصى بأن يدفن في فضلته (ثياب نومه) التي كان يلبسها حينئذ. ويقول اللورد البيمرل: «بعدما لفظ الملك النفس الأخير حضر دوق ولنتن الموكول إليه تنفيذ وصيته، ودخل إلى الغرفة الموضوع فيها جسد الملك، ودنا من سريره فوجد حول عنقه شريطة سوداء وسخة بالية فنزعها، وإذا فيها مثال صغير لصورة عقيلة فتزهربرت مرصع بالجواهر. ولأجله أوصى الملك بأن يدفن في الثياب التي كانت عليه.»
فحمل الملك جورج إلى ضريحه صورة التي وصفها في وصيته بقوله: «زوجتي المحبوبة المعبودة. قرينة قلبي ونفسي.» الزوجة التي أسرف في محبته لها وإساءته إليها. ورغبته هذه دل عليها دلالة واضحة بما كتبه قبل موته قائلا: «أروم أن أدفن وصورة زوجتي المحبوبة ماري فتزهربرت معلقة في شريطة حول عنقي كما كنت ألبسها في حياتي ومدلاة على صدري.»
وعاشت ماري فتزهربرت بعد زوجها سبع سنوات اكتسبت فيها محبة جميع الذين عرفوها لملاحتها وحسن تناولها وعكوفها على عمل الخير. وتوفيت في بريتون صباح اليوم التاسع والعشرين من شهر مارس سنة 1837 وعمرها 81 سنة.
ويقول عنها غرنفيل: «لم تكن ذكية ولكنها كانت متفوقة في شرف نفسها وكرمها وأمانتها واستقامتها وصدق محبتها وصحة ولائها وعدم محاباتها. وكانت محبوبة من جميع أنسبائها وأصدقائها ومحترمة عند أعضاء الأسرة المالكة.» وظلت آثار الحسن والجمال بادية عليها إلى آخر يوم من حياتها.
قال غرنفلي بركلي: «لست أنسى ملامحها الباهية البهجة المزدانة بكل ما يبهر العيون ويسبي العقول. وهذا الحسن البارع الرائع لم يفارق وجهها وقوامها وسائر تقاسيمها حتى في كهولتها وبداءة شيخوختها. ودام محياها في أيامها الأخيرة ساطعا بقبس جمال ضئيل أشبه بشفق الأفق بعد مغيب الشمس. وبالاختصار أقول عنها إنها كانت امرأة خليقة بالتجلة والاحترام ولم يعوزها لتكون ملكة سوى التاج».»
Unknown page