Majmucat Rasail
مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى
Publisher
دار ثقيف للنشر والتأليف
Edition Number
الطبعة الأولى
Publication Year
١٣٩٨هـ
Publisher Location
الطائف
Genres
Fatwas
استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلص منها، وفلان دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت، وفلانًا نزل به ضر فأتى صاحب ذلك القبر فكشف ضره ونحو ذلك مما هو مضاد لما بعث الله بمحمدًا ﷺ من الدين.
ومن له معرفة بما بعث الله به محمدًا ﷺ يعلم أنه حمى جانب التوحيد وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك فكيف يستدل بكلامه على نقيض ما أمر به فيستدل في حديث الأعمى بقوله يا محمد على أنه أمر بدعائه في حال غيبته فيدل على جواز الاستغاثة بالغائب وكذلك قوله: "يا عباد الله احبسوا" يدل على ذلك أيضًا هذا من أعظم المحال وأبطل الباطل، بل كلامه ﷺ يوافق الوحي عليه يصدقه ولا يكذبه فإنهما من مشكاة واحدة ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ ونحن نجيب عن هذين الحديثين بعون الله وتأكيده من وجوه.
الوجه الأول: أن القرآن الكريم فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فيرد المتشابه إلى المحكم ولا يضرب كتاب الله بعضه ببعض، وكذلك السنة: فيها محكم ومتشابه فيرد متشابهها إلى المحكم ولا يضرب بعضها ببعض، فكلام النبي ﷺ لا يتناقض بل يصدق بعضه بعضًا، والسنة توافق القرآن ولا تناقضهن وهذا أصل عظيم يجب مراعاته من أهمله فقد وقع في أمر عظيم وهو لا يدري، من المعلوم أن أدلة القرآن الدالة على النهي عن دعاء غير الله متظاهرة مع وضوحها وبيانها كقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ وقوله: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ وقوله: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات الواضحات البينات.
فمن أعرض عن هذا كله وتعامى عنه وأعرض عن الأحاديث الصحيحة الدالة على تحقيق التوحيد وأبطال الشرك وسد ذرائعه وتعلق بحديث ضعيف بل ذكر بعض العلماء أنه حديث منكر وهو قوله: "إذا انفلتت دابة أحدكم فلينادي عباد الله احبسوا" ومثل حديث الأعمى الذي فيه يامحمد وزعم أن رسول الله ﷺ أمره أن يسأله في حال غيبته لم يكن هذا إلا من زيغ في قلبه قد تناوله قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ وقوله: ﷺ فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث عائشة ﵂ "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
الوجه الثاني: أن يقول لمن استدل بالحديثين على دعاء غير الله أتظن أن الرسول ﷺ يأمر أمته بالشرك وقد نهى عنه وقد جرد التوحيد لله ونهى عن دعوة غير الله؟ وقال: "إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". فكيف يجتمع في قلبك أن الله بعثه يأمر بالتوحيد، ويحذر من الإشراك ثم يأمر أمته بعين ما حذرهم عنه فمن زعم أن قوله: "يا عباد الله احبسوا" يدل على جواز دعاء الغائب بالنص، وعلى دعاء الميت بالقياس على الغائب، وكذلك حديث الأعمى فمن زعم هذا
1 / 153