Rasāʾil al-Jāḥiẓ
رسائل الجاحظ
Editor
عبد السلام محمد هارون
Publisher
مكتبة الخانجي، القاهرة
Publication Year
1384 ه - 1964 م
Genres
ثم لم ينقل ناقل واحد أن عليا احتج بذلك في موقف، ولا ذكره في مجلس، ولا قام به خطيبا، ولا أدلى به واثقا، ولا همس به إلى موافق، ولا احتج به على مخالف، فقد ذكر فضائله وفخر بقرابته وسابقته، وكاثر بمحاسنه ومواقفه مذ جامع الشورى وناضلهم، إلى أن ابتلي بمساورة معاوية وطمعه فيه، وجلوس أكثر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله عن عونه. والشد على عضده، كما قال عامر الشعبي: لقد وقعت الفتنة، وبالمدينة عشرون ألفا من أصحاب رسول الله، ما خف فيها منهم عشرون. ومن زعم أنه شهد الجمل ممن شهد بدرا أكثر من أربعة فقد كذب، كان علي وعمار في شق، وطلحة والزبير في شق.
وكيف يجوز عليه ترك الاحتجاج، وتشجيع الموافق وقد نصب نفسه للخاصة والعامة وللمولى والمعادي ومن لا يحل له في دينه ترك الإعذار إليهم، إذ كان يرى أن قتالهم كان واجبا، وقد نصبه الرسول مفزعا ومعلما، ونص عليه قائما، وجعله للناس إماما، وأوجب طاعته، وجعله حجة في الناس، يقوم مقامه.
وأعجب من ذلك أنه لم يدع هذا له أحد في دهره كما لم يدعه لنفسه، مع عظيم ما قالوا فيه في عسكره، وبعد وفاته، حتى يقول إنسان واحد: إن الدليل على إقامته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه إلى الإسلام، فكلف التصديق قبل بلوغه وإدراكه، ليكون ذلك آية له في عصره، وحجة له ولولده على من بعده.
وقد كان علي أعلم بالأمور من أن يدع ذكر أكثر حججه والذي بان به من شكله، ويذكر أصغر حججه، والذي يشاكله فيه غيره.
Page 26