255

وهمذان وغيرها من تلك النواحي، وإيثارهم التوبة، وإظهارهم الرهبة، وسقوط دواعيهم، اقتداء بواليهم، إذ شملهم العدل والإنصاف، وجنبهم الظلم والاعتساف، لتستبدل بحاضر حلاوة [102 و] العدل والإحسان اللذين أتى فيهما آي القرآن، وتضمنتهما شرائع الإيمان، من الثواب العظيم، والنعيم المقيم.

وبعد، فما عذر من ساعدته الأيام، وساعفته الأحكام، حتى لانت له أكنافها، ودرت عليه أخلافها [1] ، وهو يعلم ألا يرضع إلا ليفطم، ولا يوصل إلا ليصرم، أن يدع أيام ملكه المهتبلة، وفرص عزه المنتهزة، مهملة غير معقولة، ومرسلة غير مشكولة بالإحسان والبر، وإعقالا لا رسوم لها من المكارم، وبهما لا أوضاح عليها من المحاسن والمحامد، ولو جاز أن استبضع التمر إلى هجر [2] ، وأعرض الحكمة على بقراط [3] ، لأثبت قسطا من أحكام العرب في ذلك، لكن متى فتحنا هذا الباب، خرجنا إلى مجال رحب.

والجملة، أن الملوك الراشدين، والوزراء الصالحين، حين أعجزهم الخلود في الدنيا، جعلوا باقي الذكر الجميل بعدهم كالخلود، فقالوا:

[الطويل]

وما المال والأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود

Page 280