Majmūʿ al-fatāwā
مجموع الفتاوى
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة
Publisher Location
السعودية
Regions
•Syria
Empires
Mamlūks (Egypt, Syria)
فَالْإِنْسَانُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ بِالذَّاتِ، وَفَقْرُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إلَّا فَقِيرًا إلَى خَالِقِهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ غَنِيًّا بِنَفْسِهِ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، فَهُوَ الصَّمَدُ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ، فَالْعَبْدُ فَقِيرٌ إلَى اللَّهِ مِنْ جِهَةِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِنْ جِهَةِ إلَهِيَّتِهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ. وَالْإِنْسَانُ يُذْنِبُ دَائِمًا فَهُوَ فَقِيرٌ مُذْنِبٌ، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَلَوْلَا رَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ: لَمَا وُجِدَ خَيْرٌ أَصْلًا، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْلَا مَغْفِرَتُهُ لَمَا وَقَى الْعَبْدُ شَرَّ ذُنُوبِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ دَائِمًا إلَى حُصُولِ النِّعْمَة، وَدَفْعِ الضُّرِّ وَالشَّرِّ وَلَا تَحْصُلُ النِّعْمَةُ إلَّا بِرَحْمَتِهِ، وَلَا يَنْدَفِعُ الشَّرُّ إلَّا بِمَغْفِرَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا سَبَبَ لِلشَّرِّ إلَّا ذُنُوبُ الْعِبَادِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَاتِ: مَا يَسُوءُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَصَائِبِ وَبِالْحَسَنَاتِ: مَا يَسُرُّهُ مِنْ النِّعَمِ. كَمَا قَالَ: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ فَالنِّعَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ مِنْ اللَّهِ فَضْلًا وَجُودًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ تَعَالَى عَلَيْهِ حَقٌّ لِعِبَادِهِ، فَذَلِكَ الْحَقُّ هُوَ أَحَقُّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَخْلُوقِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ. وَالْمَصَائِبُ: بِسَبَبِ ذُنُوبِ الْعِبَادِ وَكَسْبِهِمْ. كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ . وَالنِّعَمُ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ طَاعَاتٍ يَفْعَلُهَا الْعَبْدُ فَيُثِيبُهُ عَلَيْهَا: فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمُنْعِمُ. بِالْعَبْدِ وَبِطَاعَتِهِ وَثَوَابِهِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْعَبْدُ وَجَعَلَهُ مُسْلِمًا طَائِعًا، كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ وَقَالَ: ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ
1 / 42