Majmuc Fatawa
مجموع الفتاوى
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة
Publisher Location
السعودية
﴿لَا تُكَلَّفُ إلَّا نَفْسَكَ﴾ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا﴾ أَيْ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْأَمْرِ تَكْلِيفٌ؛ فَلَا يُكَلَّفُ إلَّا قَدْرَ الْوُسْعِ، لَا أَنَّهُ يُسَمِّي جَمِيعَ الشَّرِيعَةِ تَكْلِيفًا، مَعَ أَنَّ غَالِبَهَا قُرَّةُ الْعُيُونِ وَسُرُورُ الْقُلُوبِ؛ وَلَذَّاتُ الْأَرْوَاحِ وَكَمَالُ النَّعِيمِ، وَذَلِكَ لِإِرَادَةِ وَجْهِ اللَّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ، وَذِكْرِهِ وَتَوَجُّهِ الْوَجْهِ إلَيْهِ، فَهُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ الَّذِي تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ الْقُلُوبُ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ أَبَدًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ فَهَذَا أَصْلٌ. (الْأَصْلُ الثَّانِي: النَّعِيمُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَيْضًا مِثْلُ النَّظَرِ إلَيْهِ لَا كَمَا يَزْعُمُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِمْ أَنَّهُ لَا نَعِيمَ وَلَا لَذَّةَ إلَّا بِالْمَخْلُوقِ: مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَنْكُوحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ اللَّذَّةُ وَالنَّعِيمُ التَّامُّ فِي حَظِّهِمْ مِنْ الْخَالِقِ ﷾، كَمَا فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: ﴿اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ﴾ . رَوَاهُ النَّسَائِي وَغَيْرُهُ وَفِي صَحِيحِ " مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ عَنْ " صهيب " عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ ﴿: إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ؛ إنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ ينجزكموه. فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنْ النَّارِ قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ؛ فَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ - سُبْحَانَهُ. فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ﴾ . فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُمْ مَعَ كَمَالِ تَنَعُّمِهِمْ بِمَا أَعْطَاهُمْ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَبَّ إلَيْهِمْ لِأَنَّ تَنَعُّمَهُمْ وَتَلَذُّذَهُمْ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ بِغَيْرِهِ. فَإِنَّ اللَّذَّةَ تَتْبَعُ الشُّعُورَ بِالْمَحْبُوبِ، فَكُلَّمَا كَانَ الشَّيْءُ أَحَبَّ إلَى الْإِنْسَانِ كَانَ حُصُولُهُ أَلَذَّ لَهُ، وَتَنَعُّمُهُ بِهِ أَعْظَمَ.
1 / 26