Majmūʿ al-fatāwā
مجموع الفتاوى
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة
Publisher Location
السعودية
وَأَيْضًا فَقَدْ يَدْعُو لِبَعْضِ الْكُفَّارِ بِأَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ أَوْ يَرْزُقَهُ فَيَهْدِيَهُ أَوْ يَرْزُقَهُ كَمَا دَعَا لِأُمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى هَدَاهَا اللَّهُ وَكَمَا دَعَا لِدَوْسِ فَقَالَ ﴿اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ﴾ فَهَدَاهُمْ اللَّهُ وَكَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ اسْتَسْقَى لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَاسْتَسْقَى لَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ إحْسَانًا مِنْهُ إلَيْهِمْ يَتَأَلَّفُ بِهِ قُلُوبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ ﷺ أَعْظَمُ الْخَلْقِ جَاهًا عِنْدَ اللَّهِ لَا جَاهَ لِمَخْلُوقِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ جَاهِهِ وَلَا شَفَاعَةَ أَعْظَمُ مِنْ شَفَاعَتِهِ. لَكِنَّ دُعَاءَ الْأَنْبِيَاءِ وَشَفَاعَتَهُمْ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِهِمْ وَطَاعَتَهُمْ يُوجِبُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ مُطْلَقًا وَعَامًّا فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُطِيعًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ قَطْعًا وَمَنْ مَاتَ كَافِرًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَطْعًا.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ فَانْتِفَاعُ الْعِبَادِ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى شُرُوطٍ وَلَهُ مَوَانِعُ فَالشَّفَاعَةُ لِلْكُفَّارِ بِالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ مَعَ مَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ لَا تَنْفَعُهُمْ - وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ أَعْظَمَ الشُّفَعَاءِ جَاهًا - فَلَا شَفِيعَ أَعْظَمُ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ ثُمَّ الْخَلِيلُ إبْرَاهِيمُ وَقَدْ دَعَا الْخَلِيلُ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ . وَقَدْ كَانَ ﷺ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَبِي طَالِبٍ اقْتِدَاءً بِإِبْرَاهِيمَ وَأَرَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ .
1 / 145