259

ومذهبنا أنه تعالى عالم لذاته، والدليل على ذلك أنه لا يخلو إما أن يكون عالما أو غير عالم، باطل أن يكون غير عالم، لأن الأفعال قد صحت منه تعالى محكمة، والأفعال لا توجد محكمة إلا من عالم، وإذا كان عالما فلا يخلو إما أن يكون عالما بعلم أو عالما لذاته، لا يجوز أن يكون عالما بعلم، كما قدمنا من أنه كان لا يخلو إما أن يكون موجودا أو معدوما؛ والموجود لا يخلو إما أن يكون محدثا أو قديما، والأقسام كلها باطلة، فلم يبق إلا أنه عالم لذاته تعالى، ومعنى ذلك أن ذاته الموجبة لكونه عالما ولسائر صفاته تعالى من دون معاني، كما نقول في الواحد منا: إنه عالم بعلم وحي بحياة، ولولا ذلك لما كان حيا عالما .

فهذه الصفات ثابتة فينا لمعاني، وثابتة في الباري تعالى لذاته، ولذلك وجب كونه عالما بجميع المعلومات، ما كان، وما يكون وما لم يكن كيف كان يكون، وما كان لو لم يكن كيف كان يكون، لأن ذاته مع المعلومات على سواء، فلا يخلو إما أن يعلمها لذاته أولا يعلمها؛ لأنه قد صح كونه عالما بوجود الفعل المحكم من قبله، والفعل المحكم لا يوجد إلا من عالم، وباطل أن يعلم البعض دون البعض لفقد المخصص، لأنا إنما علمنا شيئا دون شيء لأنا عالمون بعلم فلا يتعلق العلم إلا بمعلوم على الوجه الذي يصح به.

فإن سأل وقال: هل لله علم أو ليس له علم ؟

قلنا: إن أردت أن له معلوم فهو عالم بجميع المعلومات وذلك شائع في اللغة، يقال: علم أهل البيت عليهم السلام وعلم أبي حنيفة، وعلم الشافعي معناه معلومهم، وإن أردت علما به يعلم ولولا هو لما علم، فذلك لا يجوز على الله تعالى لما قدمنا، بل العالم لذاته الغني عن كل ذات .

Page 301