Majmuc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Genres
المسألة الثامنة والأربعون [ الحكمة من خلق العرش والكرسي ]
قال تولى الله هدايته: بهذا الإجماع ونص الكتاب والأدلة النظرية أن الله عز وجل لم يخلق شيئا عبثا، وانتفاء العبث يوجب أنه تعالى خلق كل مخلوق أوجده لمراد مقصود على وجوب الحكمة والإتقان، فما المراد بالعرش والكرسي إن كانا أجساما جمادية وهو تعالى منزه عن الجلوس والمكان، ولما انتفى العبث والجلوس والمكان لزم مراد غير ذلك، فما هو ذلك المراد الذي من أجله خلقا وقد قال تبارك وتعالى: ?وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون?[الذاريات:56]، فوجب القصد وانتفاء العبث.
الجواب: اعلم أن الواجب على المكلف أن يعلم أن الله تعالى لا يفعل فعلا إلا لحكمة تحسن، وإن لم يعرف وجب عليه التسليم ولم تلزمه المناقشة عن الوجه.
ألا ترى أنا لو هجمنا على آلة صانع قد قضينا له بالحكمة في صناعته فرأينا اختلاف تقديرها وحجومها في الصغر والكبر، والغلظ والرقة أنا نقضي أنه ما فعل شيئا منها على ذلك الوجه إلا لغرض يخصه، وإن لم نعرف ذلك الغرض فالباري سبحانه أولى بتسليم الحكمة له، والقضاء بأنه لا يفعل إلا ما يتعلق به الصلاح، ويلازمه الحسن، وقد بينا أن الكلام في هذه المسألة لا يقع إلا مع من أثبت للعالم إلها قادرا عدلا حكيما لا يفعل فعلا إلا لحكمة، وقد انتفى كون خلقهما عبثا، فهذا هو الكلام في هذه المسألة على وجه الجملة.
وأما الكلام على وجه التفصيل فنقول: إن المراد بخلقهما اعتبار المكلفين من الملائكة وغيرهم من المتعبدين، فاعتبار الملائكة بما يعاينوه فيهما من آثار الصنعة، ومواقع الحكمة، وطرائق القدرة، فيكونون مع ذلك أقرب إلى فعل الطاعة والانقياد للعظمة، ولا شك أن الفعل الذي يكون مقربا للمكلف من فعل الطاعة وترك المعصية حسن تحكم بحسنه العقول السوية.
Page 292