Majmuc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Genres
[ حكم أخذ الزيادة عن الزكاة ]
وأما ما ذكره صاحب المسألة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكره أحدا على [زايد] من الزكاة مع شدة الحاجة إلى ذلك وكثرة مال بعضهم، وقد روى [منه] السلف؛ وهذا من عجائب السؤال الذي خرج عن طريق الاستدلال، وإنما هو قول من لا يعرف حال السلف، فتردى في مواضع التلف، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم مهاجرون وأنصار.
فأما الأنصار فهم الذين ورد فيهم مدح العزيز الجبار بقوله تعالى: ?ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة?[الحشر:9]، وكان من حالهم: أنهم قسموا أموالهم نصفين بينهم وبين المهاجرين، وخيروا المهاجرين أي النصفين شاءوا، وشرطوا لهم إصلاح النخيل بأيديهم وعبيدهم، وقاسموهم في المنازل نصفين، ومن كانت له زوجتان نزل عن إحداهما؛ لأن المهاجرين هربوا من بلادهم وخلفوا نساءهم واحتاجوا إلى النسوان فنزل لهم الأنصار عن نصف نسائهم.
وأما المهاجرون فلا شك في غنى كثير منهم؛ ولكن هل كانت أموالهم لهم؟ المعلوم أن أبا بكر أسلم وهو من أغنياء قريش، واختلف في مبلغ ماله فقيل: ثمانون ألفا فأنفقه حتى انتهى به الحال إلى أن بقيت له عباءة إذا ركب حلها وإذا نزل أبعد خلالتها واشتمل بها، وجهز عثمان بن عفان جيش العسرة بتسعمائة بعير وخمسين بعيرا وتمم الألف بخمسين فرسا كل ذلك من صميم ماله، ولما أقبل الجيش وقد مستهم الفاقة لقاهم منه ناقة محملة مخطومة، فوهبها لهم فأكلوا ما عليها ونحروها، إلى غير ذلك من أفعالهم مما لو ذكرناه لطال الشرح واتسع الحال [وفيما ذكرنا ما يغني طالب الاستدلال والمميز بين الحرام والحلال]؛ فهل من هذه حاله أيها السامع العاقل يحتاج إلى الإكراه أو يطلب به أزيد من الزكاة! أين العقول التي تعقل معنى السؤال، وتفرق بين الهدى والضلال.
Page 173