بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لمن خلق الانسان، وعلمه البيان والتبيان، وأوضح له الهدى والايمان، والصلاة على من خص بالفرقان، والآثار المحمودة الحسان، وآله حجج الرحمن، المطهرين عن الرجس بنص القرآن.
أما بعد:
فلما كان العلم باللغة العربية من الواجبات العقلية، لتوقف العلوم الدينية عليه، وجب على المكلفين معرفته والالتفات إليه، وحيث لا طريق إلى معرفة غير المتواتر منها سوى الآحاد المستفادة من التتبع والاستقراء مست الحاجة إلى ضبط ما هو بالغ في الاتفاق حدا يقرب من الاجماع ويوثق به في الانتفاع.
ولما صنف في إيضاح غير الأحاديث المنسوبة إلى الآل كتب متعددة ودفاتر متبددة، ولم يكن لاحد من الأصحاب ولا لغيرهم من أولي الألباب مصنف مستقل موضح لأخبارنا مبين لآثارنا، وكان جمع الكتب في كل وقت متعبا وتحصيلها عن آخرها معجزا معجبا ووفق الله سبحانه المجاورة لبيته الحرام وللحضرة الرضوية على مشرفها السلام وظفرت هناك وهنالك بعدد عديد من الكتب اللغوية كصحاح الجوهري، والغريبين للهروي، والدر النثير، ونهاية ابن الأثير، وشمس العلوم، والقاموس، ومجمع البحار المأنوس، وفائق اللغة، وأساسها، والمجمل من أجناسها، والمغرب
Page 19
الغريب، وشرح النهج العجيب، ونحوها من الكتب المرضية والشروح المطلعة على النكت الخفية حداني ذلك على الشروع في تأليف كتاب كاف شاف يرفع عن غريب أحاديثنا أستارها، ويدفع عن غير الجلي منها غبارها.
ثم إني شفعته بالغرائب القرآنية والعجائب البرهانية ليتم الغرض من مجموعي الكتاب والسنة لمن رام الانتفاع بهما، ويتحصل المطلوب فيه من كل منهما، إذ لا يجد الجلم (1) كل واجد، وليس العلم مخصوصا منهما بواحد.
ثم إني اخترت لترتيبه من الكتب الملاح ما أعجبني ترتيبه من كتاب الصحاح، غير أني جعلت بابي الهمزة والألف بابا واحدا ليكون التناول أسهل، والانتشار أقل.
وحين تم التأليف صببته في قالب الترصيف، معلما لكل حرف من حروف الهجاء كتابا، ولكل كتاب أبوابا، باذلا فيه جهدي، مغنيا فيه كدي، طالبا فيه رضي ربي، إنه وليي وحسبي. وسميته ب (مجمع البحرين ومطلع النيرين).
Page 20
ا، أ الألف المفردة على ضربين: لينة ومتحركة، واللينة تسمى " ألفا " والمتحركة تسمى " همزة "، والألف قد تكون منقلبة عن الواو كغزا أو عن الياء كرمى (1)، وقد لا تكون كذلك كإلى وإذا وحتى، وقد تكون من حروف المد واللين والزيادات، وقد تكون في الأفعال ضمير الاثنين كفعلا ويفعلان، وتكون في الأسماء علامة الاثنين ودليلا على الرفع نحو " رجلان ".
والهمزة قد ينادى بها تقول: " أزيد أقبل " إلا أنها للقريب دون البعيد لأنها مقصورة، وقد تزاد في الكلام للاستفهام تقول: " أزيد عندك أم عمرو ".
فان اجتمعت همزتان فصلت بينهما بألف، قال ذو الرمة (2):
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا آ أنت أم أم سالم والهمزة أصل أدوات الاستفهام ولهذا اختصت بأحكام:
Page 21
أحدها: جواز حذفها - سواء تقدمت على أم كقول عمر بن أبي ربيعة:
* بسبع رمين الجمر أم بثمان * (1) أم لم تقدم كقوله:
* أحيا وأيسر ما قاسيت قد قتلا * الثاني: أنها ترد لطلب التصور نحو " أزيد قائم أم عمرو " ولطلب التصديق نحو " أزيد قائم وهل مختصة بطلب التصديق نحو " هل قام زيد " وبقية الأدوات مختصة بطلب التصور نحو " من جاءك " و " ما صنعت " و " كم مالك " و " أين بيتك " و " متى سفرك ".
الثالث: أنها تدخل على الاثبات - كما تقدم - وعلى النفي نحو (ألم نشرح لك صدرك).
الرابع: تمام التصدير بها، وذلك أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف، تنبيها على أصالتها في التصدير نحو (أو لم ينظروا)، (أفلم يسيروا)، (أثم إذا ما وقع آمنتم به) وأما أخواتها فتتأخر عن العاطف - كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة - نحو:
(وكيف تكفرون)، (فأين تذهبون)، (فأنى تؤفكون)، (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)، (فأي القريقين أحق بالأمن)، (فما لكم في المنافقين فئتين) - هذا هو مذهب سيبويه وعليه الجمهور.
وزعم جماعة - منهم الزمخشري -: أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الأصلي، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، والتقدير " أمكثوا فلم يسيروا "، " أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا "، " أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم "، " أنحن مخلدون فما نحن بميتين ". وهو تكلف بما لا حاجة إليه.
وقد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي.
فتكون للتسوية نحو قوله تعالى: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم).
وللانكار الابطالي، فتقتضي بطلان
Page 22
ما بعدها وكذب مدعيه نحو (أفأصفاكم ربكم بالبنين).
وللانكار التوبيخي، فيقتضي أن ما بعدها واقع وفاعله ملوم نحو: (أفتعبدون ما تنحتون).
وللتقرير، ومعناه حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر استقر ثبوته عنده أو نفيه، ويجب أن يليها الشئ المقر به، تقول في التقرير بالفعل: " أضربت زيدا " وبالفاعل: " أأنت ضربت زيدا " وبالمفعول: " أزيدا ضربت ".
وللتهكم نحو (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا).
وللأمر نحو (أأسلمتم).
وللتعجب نحو (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل).
وللاستبطاء نحو (ألم يأن للذين آمنوا).
والهمزة على ضربين: ألف وصل وألف قطع، فكل ما يثبت في الوصل فهو ألف القطع وما لم يثبت فهو ألف الوصل.
وألف القطع قد تكون زائدة مثل ألف الاستفهام، وقد تكون أصلية مثل " أخذ " و " أمر ".
وفي التنزيل (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) قال بعض المفسرين:
الهمزة في " أو لما " للتقرير والتقريع، دخلت على الواو العاطفة على محذوف، تقديره: (أ) فعلتم كذا من الفشل والتنازع (ولما أصابتكم مصيبة) بأحد، الآية أ ب ب قوله تعالى: (وفاكهة وأبا) [80 / 31] الأب في كلام اللغويين: ما رعته الأغنام، وهو للبهائم كالفاكهة للانسان (1).
أ ب ت يقال أبت يومنا يأبت: إذا اشتد حره - قاله الجوهري.
أ ب د في حديث الحج: قال له سراقة بن مالك: أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: لا بل لابد الآبد (2).
Page 23