فيه نهارًا وليلتين. وفي الليلة الأولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد احمد. وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء، ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عددًا عديدًا من الغرباء، وقصورًا شاهقة، ودورًا قوراء، وانهارًا جارية، ورياضًا غناء، وأشجارًا غبياء. والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن العراق، إذ أن ثروتها واسعة، وتجارتها نافقة، وزراعتها متقدمة، وصناعتها رائجة شهيرة، حتى أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير، لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشبا اثمن وانفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية وهندسية.
ولما كان الغد وكان يوم السبت رأينا ما لم نره في الليل فسبقنا وصفه. وكنا نقف عند التجار زملائنا وحرفائنا ومعاملينا الذين نتعاطى معهم بالبيع والشراء.
وفي خارج المدينة نهر اسمه (الحسينية) (بالتصغير) وماؤه عذب فرات ومنه يشرب السكان، إلا أن ماءه ينضب في القيظ فتحرج الصدور، وتضيق النفوس ويغلو ثمن الماء، فيضطر اغلبهم إلى حفر الآبار وشرب مياهها وهي دون ماء الحسينية عذوبة فتتولد الأمراض وتفشو بينهم فشوًا ذريعًا كالحميات والأدواء الوافدة. والأمل أن الحكومة تسعى في حفر النهر وحفظ مياهه طول السنة.