Majallat Bayan
مجلة البيان
Genres
أمامنا سيرًا حثيثًا وقد دار حول اللسان الخشبي البارز في الماء وهو لا قلوع فيه ولا مجاذيف له بل يسير بمحرك داخلي وفيه رجل يشير إلينا إشارات التحية ثم دنا منا لقد ساءنا جدًا ماوقع لكم على أننا بذلنا أقصى مجهودنا لدفع ما ألم بسفينتكم فلم أستطع إلى ذلك سبيلًا غير أننا تمكنا من قفل الباب ولو بقي مفتوحًا لهوت سفينتكم ومن بها إلى هاوية الهلاك فقفل الباب إنما كان الوسيلة الوحيدة الممكنة لنجاتكم. ثم التفت إلى الجثث المنتثرة وتأوه وقال - أظن أن قفل الباب جاء متأخرًا فلم يستفد منه كثير منكم غير أننا سنجتهد في القيام بدفن موتاكم بما يلزم من الوقار والاجلال أما أنتما فهيا معي إلى القارب.
أما أنا والربان فعجزنا عن أداء واجب السكر لهذا الرجل الكريم فدخلنا إلى قاربه وجعل القارب يمخر بنا الماء بسرعة عظيمة وقد حاولنا أن نخبره بذهولنا من سكوت العاصفة بغتة ومن فعل القوة السرية التي جذبتنا إلى الجزيرة فقال لنا: إن مارأيتموه ليس شيئًا بازاء ماسترونه من العجائب فإننا نحن سكان هذه الجزيرة من رجال الاختراع والاستنباط الذين حدت بهم الحاجة وعدم تصديق الذين يديرون دفة الأموال إلى اعتزال العالم واستيطان هذه الجزيرة والذين لم يجنوا في أوروبا وأميركا مجالًا لإخراج بنات عقولهم من حيز الفكر إلى القوة لجأوا إلى هذا المكان وغرسوا فيه بذور قرائحهم فحولوا هذه الصخرة القاحلة إلى رياض غناء وصاروا يضحكون من الذين سخروا بهم قبلًا وزعموا أن ذكاءهم خيالات وتخرصات. اخترنا هذه الجزيرة مقرًا وهي كما تشاهدان واقعة في ممر العواصف الطبيعية ونحن بذكائنا واقتدارنا نظفر بهذه القوات ونستأسرها كما يظفر الصياد بصيد فراخ الحمام فننتفع بقواتها في بيوتنا وحوانيتنا وقد كنا الليلة الماضية نخزن ما يلزم لنا من الرياح في كهوفنا العميقة المبثوثة تحت الأرض فأصابكم ما أصابكم لما وقعتم في منطقة الهواء الجاري وهذا الهواء المنضغط لا يكلفنا شيئًا ولكن خزنه عندنا يفيدنا فوائد لا تحصى. وفيما كان هذا الرجل العجيب الذي يصرف الرياح كيف يشاء يكلمنا دنا القارب بنا من رصيف الميناء فتأملناه وإذا هو من أبدع مارأت العيون لأنه ليس مبنيًا من حجارة بل من صفائح حديد قائمة على محور يدور فيسمع له صريف كصريف الأوتار كلما هاج البحر وزفر التفت إلينا محدثنا وقال تريان أننا قادرون أن نستفيد من حركة الأمواج وبيان ذلك أنه متى صدم الماء صفائح الحديد أدار عجلة ذات أسنان داخل اللسان فتنقل القوة إلى
4 / 57