200
فإذا لم يكن قد تطرق الخطأ إلى حكمي على الرغم منى فإن أطوار المرأة تنبيء بأن حب الهيمنة على الرجل والتفرد بالأمر والنهي دونه من أخص صفاتها وألزم طباعها. وأن ما كان بينها وبين الرجل من شقاق ونزاع فإنما مثاره هذه الصفة. وإن كان تعلقنا بهذه النقطة واستنادنا إليها قد يعد في عرف بعضهن دليلًا على أننا ننعتهن بوصف قد امتلك عقولنا واستحوذ على حواسنا. ولقد يبدو لي مع هذه أنه ليس في أميال المرأة ميل له من السلطان على نفسها والتحكم في أخلاقها ما لهذا الميل. وفي نوادر التاريخ رواية ظاهرة في تأييد ما أقول. فقد رووا أنه حدث فيما غبر من الأيام أن نساء (سيثيا) ضقن ذرعًا بما يكابدنه من الرجال فأهبن بكيدهن العظيم وتآمرن فيما بينهن على الإيقاع بهم، ثم كتمن الأمر وأخفينه - وذلك أغرب مافي هذه المؤامرة! - حتى تمكن من تنفيذه قبل أن يفطن إليهن أحد، فباغتن الرجال في أسرة النوم وعلى موائد الطعام والشراب فشددن وثاقهم وغللن أيديهم إلى أعناقهم وقيدن أرجلهم ثم جمعنهم في صعيد واحد وتنادين إلى مجلس عام يتدبرن فيما ينزله بأولئك الأعداء الألداء من صنوف العذاب وضروب التشفى والتنكيل وينظرن في الانتفاع بهذا الظفر فلا يقعن بعد ذلك في أصفاد الأسر والاستخذاء. فأما إبادة الرجال جميعًا فذلك مالا أحسب أنه خطر لأحداهن أو جامت حوله آراؤهن، رحمة منهن ورفقًا وإن لم يبق موضع للرحمة والرفق بعد ما تجرعنه منهم من غصص العيش وكابدنه من مضض العسف والجور. فقر رأيهن بعد الحجاج الشديد واللغط والفديد على أن يسملن أعينهم وتجاوزن في سبيل الحرية والسلطة عن تلك الخيلاء التي كانت تحلو لهن إذ يترنحن بين التيه والدلال ويعرضن الجمال على أعين الرجال. فودعنها وإن كانت أعز مودع عليهن وبكين الزينة والخضاب، وزخارف الحلي والأثواب، ثم هون عليهن أمرها أنهن سيتعوضنها بالحرية والنجاة من الأسر - قلن إننا لن نسمع بعد تأوهات العشاق ومناجاة الأحباب ولكن لايغيب عنا أننا سوف لا نسمع أيضًا صيحات الامر وزعقات السيادة والزجر. وسيرحل عنا الحب أبدًا ولكنه سيحمل معه الاستعباد. ولشد ما أحزن البعض هذا الحكم فرثوا لأولئك المناكيد وقالوا ما كان أقسي قلوب النساء على الرجال المساكين، فإنهن حرمنهم نعمة البصر لينقادوا إليهن ذلك الانقياد الأعمى ولئن

4 / 19