غافلًا عليه كاسات المنايا تدور، وما تزودت ليوم النشور، فانهض وتب من كل ذي ذنب متى تحظى برضوان العزيز الغفور.
ومن فضائله: أنه كان يعجبه ويحب من يذكر له شيئًا قصر فيه أو نسيه ويرى له الفضل في ذلك.
قال عمرو بن مهاجر: قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني وقل: يا عمر ما تصنع.
فانظر يا هذا إلى خوف عمر بن عبد العزيز مع اجتهاده، فكيف بك مع تقصيرك، الدنيا مزرعة الآخرة، فما عملته في هذه وجدته في تلك.
فأنت اليوم تعمل وغدًا ترى، فإن كنت غافلًا فأبك على ما قد جرى، وإذ كنت نائمًا فستذهب عنك لذة الكرى، لو بكت عيناك يا هذا دمًا ما تقدمت إلينا قدمًا، كيف يصفوا لك ود بعد ما نشر العذر علينا علمًا، إنما يصفوا وداد مرء حفظ العهد وراعى الذمما، لو أردناك لنا ما فتنا، ووصلنا حبلنا ما انصرما، ما رأينا منصفًا عامله منصف في صفقة إلا فاختصما، كانت الدنيا إذا قدمت على الصالحين قدموها إلى الآخرة.
كان عمر بن عبد العزيز يأتيه خراج اليمن فيدخله بيت المال، ويبيت في الظلام.
وكان يقول: إذا سهرت في أمر العامة أشعلت سراجًا من بيت المال، وإذا سهرت في أمر نفسي أسرجت عليَّ من مالي.
وأما عدله ﵁ فإنه قد ملأ الأرض قسطًا وعدلًا وخضعت الوحوش لعدله وصارت الذباب في أيامه ترعى الغنم مع المغنم.
فقد حكي مالك بن دينار أنه لما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز قال رعاء الشاة من رؤوس الجبال: من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس، فقيل لهم: من أعلمكم بصلاحه؟ قالوا: إنه قد قام خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شائنا (١) .
قال جسر القصاب: مررت في خلافة عمر بن عبد العزيز بشياه، وفيها نحو ثلاثين وحشًا أحسبهم كلابًا فقلت للرعاة لقد أكثرتم من الكلاب بين أغنامكم، فقالو: إنهم ذئاب فقلت لهم: العجب، فقالوا: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس (٢) .
(١) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (٥/٢٥٥)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (٥/٣٨٦) .
(٢) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (٥/٢٥٥) .