قال: ويحرم عليه تحريمًا مغلظًا أن يقول للمسلم: يا كافر، بل قال العلماء إذا قال للمسلم: يا كافر بلا تأويل كفر لأنه سمى الإسلام كفرًا.
روينا في الصحيحين عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بهما أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» (١) .
وروينا في الصحيحين عن أبي ذر ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «من دعا رجلًا بالكفر أو قال: يا عدو الله وليس كذلك إلا جاء عليه» هذا اللفظ رواه مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى «جاء عليه» رجع عليه (٢) .
قال: ولو دعا مسلم على مسلم فقال: اللهم أسلبه الإيمان، عصى بذلك وأصح الوجهين أنه لا يكفر بذلك، ومثل هذا قال: لا ختم الله له بخير.
قال: ولو أكره الكفار مسلمًا على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان لم يكفر بنص القرآن قال تعالى؟إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ؟ [النحل: ١٠٦] وأجمع المسلمون على ذلك، ولكن هل الأفضل في هذه الحالة أن يتكلم بها ليصون نفسه عن القتل أو لا؟
في المسألة خمسة أوجه فقيل: الأفضل أن يتكلم بها ليصون نفسه عن القتل، وقيل: إن كان في بقائه مصلحة للمسلمين بأن كان يرجو النكاية في العدو والقيام بأحكام الشرع، فالأفضل أن يتكلم، وإن لم يكن كذلك فالصبر على القتل أفضل، وقيل: إن كان من العلماء ونحوهم ممن يقتدي بهم، فالأفضل الصبر ولئلا يغتر به العوام، وقيل: يجب عليه التكلم لقوله تعالى؟وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ [البقرة: ١٩٥] والصحيح: أن الأفضل أن يصبر على القتل ولا يتكلم بالكفر، والأحاديث الصحيحة وفعل الصحابة ﵃ مشهورة.
حكاية غريبة في المعنى وهي خاتمة المجلس: حكي أن عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته أرسل أصحابة إلى الروم لأجل الغزاة فانهزمت أصحابه وأسر عشرون منهم،
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (٥/٢٢٦٤، رقم ٥٧٥٣)، ومسلم في صحيحه (١/٧٩، رقم ٦٠) عن ابن عمر ﵄.
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (٥/٢٢٤٧، رقم ٥٦٩٨)، ومسلم في صحيحه (١/٧٩، رقم ٦١) عن أبي ذر.
قلت: لفظ البخاري بمعناه كما قال المصنف فقد رواه البخاري بلفظ: «لا يرمي رجل رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» .