المجلد الأول
مقدمة
...
مقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى صحبه الهداة المهتدين وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
أما بعد:
فإنّ الله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه، قد أرسل محمّدًا ﷺ رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن بدعوته ناس من قومه أشرق نور الإيمان في قلوبهم، فانجلت عنها ظلمة الشرك، فأبصروا الحق الذي دعاهم إليه.
فما زال النبي ﷺ يغذيهم بالقرآن والحكمة، ويزكيهم بالعمل الصالح حتى صار هذا الدين أعظم ما يكون في قلوبهم، وصار الرسول ﷺ أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم وأموالهم بل وأنفسهم، فناصروه في دعوته وتحملوا معه سبيل الله أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر - غير الأنبياء - من أجل العقيدة، ذلك الجيل الربَّاني الذي آمن بالنبي ﷺ وآزره ونصره هم صحابته الكرام الذين اختصّهم الله وشرّفهم بصحبة نبيه وإقامة شرعه.
كان مجتمعهم طرازًا فريدًا، ونسيجًا وحيدًا، لم يكن في أتباع الأنبياء مثلهم، لهم القدح المعلى من كل فضيلة، والسهم الأعلى من
1 / 7
كل مكرمة، فهم أهل لكل محبة وتعظيم وإكرام وتقدير، من كل من جاء بعدهم من هذه الأمة، وأهل لأن يقتدى بهم، ويتمسك بطريقتهم وهديهم، فإنّ الدين ما كانوا عليه، ولا شكّ أنّهم أفضل الخلق بعد النبي ﷺ، وأن معرفة أحوال هؤلاء الصحابة وما اتصفوا به من أخلاقٍ ساميةٍ وصفاتٍ نبيلةٍ، ينير الطريق أمام المؤمن الذي يريد الاقتداء بسنة النبي ﷺ وسيرة أصحابه.
وأمر آخر يستوجب العناية بسيرهم، وهو أنهم هم الذين نقلوا إلينا الإسلام نقلًا صحيحًا، لذلك وجبت العناية بأخبارهم وأحوالهم وسيرهم، حتى لا يجد أعداء الإسلام سبيلًا إلى الطعن فيه بواسطة الطعن في نقلته.
وقد أثنى الله على أصحاب نبيه ﷺ في آيات كثيرة من كتابه، منها: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [سورة الأنفال، الآية: ٧٤] .
وقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [سورة الفتح، الآية: ٢٩] .
وشهد لهم النبي ﷺ بأنّهم خير القرون حيث قال: "بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه" ١.
_________
١ البخاري: الصحّيح، كتاب المناقب ٣/١٣٠٥.
1 / 8
وقد نشأت فرقة في الإسلام لا تقر بهذه الفضائل لهؤلاء الصحابة فكفّروا الصحابةَ إلاّ نفرًا يسيرًا منهم، وتقربوا إلى الله بسبّهم وشتمهم، وجعلوا ذلك من أقرب القربات، وأحسن الطاعات.
ولم تزل هذه الفرقة سادرة في غيها، وماضية في ضلالها، تنمو بالخفاء حتى قامت لهم دولة تحمي مذهبهم، وتدعو إليه، ونشطت جهودهم في ذلك، فصاروا ينشرون الكتب والرسائل التي تتضمن من المخازي سبّ أصحاب النبي ﷺ وتكفيرهم لجمهورهم، واتخذوا الطعن فيهم وسيلة للطعن في كثير من أحكام الإسلام، وصاروا يُلَبِّسُون بذلك على كثير من المسلمين.
وقد تصدى العلماء قديمًا وحديثًا للردّ على تلك الافتراءات بنشر فضائل الصحابة وسيرهم وأخبارهم، وممن اعتنى بذلك العلامة ابن عبد الهادي حيث أفرد لكل واحد من العشرة كتابًا مستقلًا، ومنها كتابه: (محض الصّواب في فضائل عمر بن الخطّاب) .
وقد رأيت الحاجة ماسّة إلى المشاركة في نشر فضائل الصحابة، وبيان مكانتهم الرفيعة من هذا الدين، دفاعًا عنهم، وحماية لحرمتهم من جهة، وصيانة للدين من التحريف والتغيير من جهة أخرى، وحماية لعقائد المسلمين وحفظًا لقلوبهم من أن يقع فيها غل لأصحاب النبي ﷺ، وصيانة لألسنتهم من أن يجري عليها ما فيه انتقاص من سبّ وشتم أو ذكر لهم بغير ما هم أهل له.
1 / 9
أسباب اختيار العمل في هذا الكتاب:
١- الرغبة في المشاركة في المسيرة المباركة لإحياء التراث الإسلامي العظيم، وإظهار ما هو حبيس المكتبات حتى يسهل للجميع الاطلاع عليه.
٢- مكانة مؤلف الكتاب بين العلماء، وتحصيله في العديد من الفنون، فدراسة كتابه فيها فوائد جمة وفرائد غير خفية على أهل العلم وطلبته.
٣- قيمة الكتاب العلمية؛ إذ الكتاب غزير في مادته، فهو يحتوي على كثير من الأحاديث النّبوية والآثار المروية عن عمر ﵁.
٤- المساهمة في إظهار كتب فضائل الصحابة لاسيما الخلفاء الراشدين، وعرضها على الناس في هذا الزمان الذي كثر فيه الطعن في الصحابة من الرافضة وغيرهم.
٥- اهتمام المؤلف بانتقاء الأخبار، وعدم الاكتفاء بسرد الروايات حيث يعقب، ويذكر الفوائد، ويورد الصحيح.
٦- نقل المؤلف عن أصول ضاعت ولم تصل إلينا.
٧- لهذه الأسباب كلّها وقع اختياري على هذا الكتاب لهذا العالم الجهبذ، علمًا بأني قد بذلت جهدي في خدمة الكتاب تحقيقًا ودراسةً، وإنني لأرجو أن أكون قد وفيت - أو قاربت - بالصورة التي تخدم الكتاب.
ويقتضي هذا البحث بطبيعته أن يتكون من مقدّمة، وقسمين:
القسم الأوّل: الدراسة:
وتشتمل على:
١- عصر المؤلّف من الناحية السياسية والدينية والعلمية (نظرة إجمالية) .
1 / 10
٢- حياة المؤلّف، وضمنته:
اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ونسبته، ومولده، وعائلته، ومهنته، ووفاته.
٣- السيرة العلمية للمؤلّف وتشتمل على:
طلبه للعلم، ورحلاته، ومكانته العلمية، وثناء العلماء عليه، وعقيدته في الأصول، ومذهبه في الفروع، وشيوخه، وتلاميذه، ومؤلّفاته.
٤- التعريف بالكتاب وضمنته:
أوّلًا: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته للمؤلّف.
ثانيًا: موضوع الكتاب ومباحثه.
ثالثًا: منهج المؤلّف في الكتاب.
رابعًا: موارد المؤلّف في الكتاب.
خامسًا: المآخذ على الكتاب.
سادسًا: قيمة الكتاب العلمية.
سابعًا: وصف النسخة الخطية، مع نماذج مصورة منها.
القسم الثاني: التحقيق.
وعملي فيه على النحو الآتي:
أ- تحقيق النص وضبطه.
ب- أثبت ما في حاشية الأصل في الأصل؛ لأن المؤلّف ﵀ قام بمراجعة النسخة التي كتب بخط يده وأضاف عليها.
ج- وضعت ما وقع من زيادة على نص الأصل، بين معقوفتين كبيرتين [] .
1 / 11
د- وضعت أسماء الكتب الواردة في الأًصل بين قوسي تنصيص.
هـ- اتبعت الرسم الإملائي الحديث، فقمت بحذف (همزة الوصل)، في (ابن) إن وقعت بين علمين فبعضهم يكتبها وبعضهم لا يكتبها، وأنا لم أكتبها بين علمين إلاّ إذا كانت في أوّل السطر.
وكذلك أثبت (الألف الوسطية) مثل: (خالد)، و(سفيان)، والحارث)، حيث وردت محذوفة في كثير من المواضع وأنا أثبتها، وكذلك راعيت قواعد الهمزة المتوسطة والهمزة المتطرفة.
ورسمت الآيات القرآنية بالرسم العثماني، ووضعتها في المتن بين القوسين المزهرين، وعزوتها إلى أماكنها في المصحف الشريف، مع أنها وردت بخط نسخ عادي.
ز- خرجت الأحاديث النبوية، فإن كانت في البخاري ومسلم اكتفيت بذلك وإلاّ اجتهدت في البحث عنها في المصادر الحديثية الأخرى، واجتهدت أن أقف عليه، وأوردت كلام العلماء عن الحديث أو الأثر إن وقفت عليه.
ح- أجتهد في تخريج النقول والآثار وإرجاعها إلى مظانها في الكتب.
ط- إذا وجدت اختلافًا في بعض ألفاظ الحديث أو الأثر بين المخطوطة والأصل الذي نقل منه أشرت إلى ذلك الاختلاف إذا كان له أهمية.
ي- عزوت الأشعار إلى قائليها من دواوينهم.
ك- ترجمت للأعلام الواردة أسماؤهم في المتن بترجمة موجزة، فإن كان
1 / 12
من أهل الكتب الستة فإني أكتفي بالتهذيب والتقريب أو أحدهما وإن لم يكن رجعت إلى مظان ترجمته في كتب التراجم.
ل- شرحت المفردات الغريبة الواردة في النص باقتضاب.
م- حددت مواضع البلدان والأماكن باقتضاب.
ن- وضعت الجمل الاعتراضية بين شرطتين قصيرتين، كما راعيت علامات الترقيم ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
س- وضعت فهارس تفصيلية للآيات والأحاديث، والآثار، والأشعار، والأعلام، والأماكن، والأبواب.
وفي ختام هذه المقدمة أحمد الله وأشكره وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناء عليه، على ما أنعم علي به ووفقني إليه، وأسأله عزوجل أن يعينني على ذكره وشكره وحسن عبادته.
واعترافًا بالفضل لأهله أتقدم بخالص شكري وتقديري لأستاذي الفاضل المشرف على الرسالة، الدكتور أكرم بن ضياء العمري - حفظه الله - الذي لم يدخر جهدًا في إبداء توجيهاته القيمة، وملحوظاته السديدة، فجزاه الله عني خير الجزاء. كما لا يفوتني بهذه المناسبة أن أشكر جميع من أسهم معي في إخراج هذه الرسالة، بتوجيه أو تشجيع، وأخص بالذكر الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي.
كما أشكر جميع القائمين على الجامعة الإسلاميّة وعلى رأسهم مدير الجامعة د/ عبد الله بن صالح العبيد؛ على ما يبذلونه من جهد في خدمة العلم وطلابه الذين وفدوا إليها من مشارق الأرض ومغاربها، وأسأل الله جلت قدرته أن يوفقهم لبذل المزيد من الجهد لما فيه رفعة الإسلام وخير المسلمين.
1 / 13
وأشكر أيضًا جميع القائمين على عمادة البحث العلمي على سعيهم في طبع هذا الكتاب ونشره ضمن منشورات العمادة، فجزاهم الله خير الجزاء.
وبعد:
فقد بذلت في عملي هذا قصارى جهدي، فإن أصبت فهو من فضل الله علي وتوفيقه لي، وأما الخطأ فهو واقع مني، فأسأل الله الرحيم أن يتجاوز عني، ويغفر لي، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم ووسيلة لمرضاته.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم المرسلين محمّد وعلى آله أجمعين.
1 / 14
الدراسة
...
١- الحياة السياسية والدينية والعلمية
أ- الحياة السياسية:
ولد يوسف بن الحسن بن عبد الهادي سنة ثمان مئة وأربعين (٨٤٠هـ)، وتوفي سنة تسع ومئة (٩٠٩هـ)، وهذه الفترة الزمنية التي عاشها ابن عبد الهادي كانت في عصر دولة المماليك الجراكسة الذين حكموا مصر والشام والحجاز - وهو عصر الدولة الثانية من حكم المماليك -، ومدة هذا العصر ثمان وثلاثون ومئة سنة، من سنة أربع وثمانين وسبع مئة إلى سنة اثنتين وعشرين وتسع مئة (٧٨٤-٩٢٢هـ)، وهؤلاء الجراكسة من بلاد شرق البحر الأسود وبحر الخزر١؛ وكانت تلك المناطق آنذاك مسرحًا للصراع بين قوى متعددة، وهذا الصراع حمل عددًا كبيرًا من أبناء الجراكسة على دخول سوق النخاسة٢، ونقلوا إلى مصر، فأكثر السلطانُ المنصور قلاوون من شراء هؤلاء المماليك، وأسكنهم إلى جواره في القلعة، وهي مكان معروف في القاهرة، فنسبوا إليها حيث عرفوا بـ: (المماليك البرجية)، وحرص على تربيتهم تربية دينية وعسكرية، ليضمن الحفاظ على السلطنة له ولأبنائه من بعده؛ وبعد مدة كثر عدد هؤلاء الجراكسة، وأصبح منهم أمراء وقادة، فاستطاعوا أن يتسلموا السلطة وأن يحكموا البلاد.
وتعاقب ملوك هذه الدولة حتى بلغوا أكثر من اثنين وعشرين سلطانًا٣،
_________
١ سلام؛ الأدب في العصر المملوكي ص: ١٣، عاشور: مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك ص: ٢٢٣، ٢٢٤، عبد المنعم ماجد: نظم دولة سلاطين المماليك ص: ١١.
٢ النخاسة: بياع الدواب والرقيق، والاسم النخاسة بالكسر والفتح (القاموس ص: ٧٤٤) .
٣ شاكر: التاريخ الإسلامي (العهد المملوكي) ص: ٧٠، ٧١.
1 / 17
بدأوا بالسلطان سيف الدين برقوق الذي قام بانقلابه على المماليك البحرية واستولى على السلطة، وانتهوا بالسلطان الأشرف طومان بك - أو طومان باي - الذي قتل على أيدي العثمانيين سنة اثنتين وعشرين وتسع مئة (٩٢٢هـ)، واختلفت سنوات حكمهم بين الطول والقصر، ولم يتجاوز أحدهم في حكمه خمسة وثلاثين يومًا، وكان أطولهم حكمًا هو السلطان برقوق (٧٨٤-٨٠١هـ) ١.
وقد عاصر ابن عبد الهادي منهم ثمانية عشر سلطانًا وهم على النحو الآتي:
الأشرف برسباي، العزيز يوسف، الظاهر جقمق، المنصور عثمان، الأشرف إينال، المؤيد أحمد، الظاهر خشقدم، الظاهر بلباي، الظاهر تمربغا خير بك، الأشرف قايتباي، الناصر محمّد، قانصوه، الناصر محمّد للمرة الثانية، الظاهر قانصوه، جانبلاط، العادل طومان باي، الأشرف قانصوه.
وجميع هؤلاء من الجراكسة ما عدا خشقدم فهو رومي يوناني٢.
وقد اختلفوا في مقدرتهم على الحكم، وقدراتهم من حيث الشخصية والعلم، أو الجهل والدهاء والسذاجة، والظلم أو العدل، ومما يروى من مظالمهم وطيشهم أن السلطان الناصر محمّد بن الأشرف قايتباي كان شابًا طائشًا متهورًا يتصرف تصرفات قبيحة حمقاء، إذ كان يهجم على نساء الناس لاغتصابهن.
_________
١ سلام: الأدب في العصر المملوكي ص: ١٣، عبد المنعم ماجد: نظم دولة سلاطين المماليك ص: ٢٤، ٢٥.
٢ باشا: تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي) ص: ٢٧، ٢٨، شاكر: التاريخ الإسلامي ص: ٦٩، ٧٠، سلام: الأدب في العصر المملوكي ص: ١٣، عبد المنعم ماجد: نظم دولة سلاطين المماليك ص: ٢٤، ٢٥.
1 / 18
يقول ابن إياس: "وصار ينزل في المراكب ببركة الرطلي ويطوف البركة هو وأولاد عمه، وإن رأى امرأة جميلة في بيتها هجم عليها وطلع لها من الطاق وأخذها غصبًا وضرب زوجها بالمقارع في وسط بيته"١.
واضطربت الأسواق بشغب المماليك الذين يسمون (الجلبان)، وقد طم فسادهم وعم في هذا العصر، وصاروا أذى للناس في كل مكان، وغطت مساوئهم أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر حتى سقطت دولتهم على أيدي العثمانيين٢.
وقد اشتهر عصرهم هذا بأحداث سياسية كثيرة شغلت السلاطين والنواب عن القيام بما يجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم، فقد تعرضت دولة المماليك في مصر والشام لكثير من الفتن والثورات الداخلية، ومعظم هذه الفتن من المماليك أنفسهم لوجود تيارات متباينة ينتسب كل تيار إلى أحد السلاطين كالظاهرية، والناصرية، والمؤيدية وغيرها٣.
كما اشتهر عصرهم هذا بالمؤامرات وكثرة الدسائس التي تحاك في الظلام ضد أعدائهم أو ضد بعضهم، الآباء ضد الأبناء، والأبناء ضد الآباء، والزوجات ضد الأزواج، والأولاد ضد الأمهات، والأمهات ضد فلذات الأكباد، وعرف عهد المؤيد شيخ المحمودي باستخدام السم للتخلص ممن يراد التخلص منه، فقد دس السم لابنه ولخطيب مسجده٤.
_________
١ ابن إياس: بدائع الزهور ص: ٦٣١.
٢ ابن إياس: بدائع الزهور ص: ٤٤٩.
٣ المقريزي: الخطط ١/١٧٥.
٤ ابن إياس: بدائع الزهور ص: ٣٦٢.
1 / 19
ويلاحظ أن السلاطين الخمسة الأواخر الذين عاصرهم ابن عبد الهادي كانت نهايتهم هي القتل، فقد خلع الظاهر قانصوه، وقتل جانبلاط، وخنق العادل طومان باي، وقتل الأشرف قانصوه١.
ولأجل هذه الفوضى السائدة بين المماليك وما يحصل بينهم من فتن واغتيالات شغلتهم عن رعيتهم، جعل الأعراب يغيرون على البلاد وبخاصة المدن كالقاهرة ودمشق وكانت علاقتهم في الغالب بالسلطان في القاهرة ونائب دمشق علاقة عداء أدت إلى حصول الكوارث والفتن. فقد ثار العرب من بني حرام وبني وائل في الشرقية فسير لهم السلطان تجريدة٢.
وهجموا على مدينة القاهرة حتى وصلوا إلى حي الحسينية ونهبوا الدكاكين وسلبوا أثواب الناس، واستمر الحال على ذلك من بعد صلاة العصر إلى المغرب فرجعوا من حيث جاءوا٣.
وفي سنة ست وتسع مئة (٩٠٦هـ) زاد شرّهم وقطعوا الطريق على الحجاج والتجّار، حتى نودي في دمشق بالجهاد ضدهم، وفي السنة التي بعدها سنة سبع وتسع مئة (٩٠٧هـ) وصلوا إلى أطراف دمشق ونهبوها، فخرج عليهم نائب دمشق ومعه مقدم البقاع ناصر الدين الحنش، ثم تتالت الهجمات عليهم، وهكذا كانت الحرب سجالًا ولم تحسم بأي حال٤.
وربما تكون هذه الثورات، والانتفاضات في أطراف القاهرة ودمشق أو في
_________
١ المقريزي: الخطط ٣/١٠٣-١٠٤، شاكر: التاريخ الإسلامي ص: ٧٢، ٧٣.
٢ التجريدة: الفرقة من العسكر الخيالة دون الرجالة، والمقصود فيها سير الجنود على وجه السرعة دون أثقال أو حشد (معجم الألفاظ التاريخية، ص: ٤٢) .
٣ ابن إياس: بدائع الزهور ص: ٤٣٥.
٤ ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/٧١، العلي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ٧٦.
1 / 20
الصعيد احتجاجًا أو اعتراضًا أو رفضًا لحكم المماليك وأساليبهم في سياسة البلاد١. ولا شكّ أنّ هذا عمل غير مشروع.
ومن الأمور الجديرة بالاهتمام فتنة (الدوادار اقبردي) سنة ثلاث وتسع مئة (٩٠٣هـ)، وهي من الفتن الكبيرة التي وقعت في دمشق في آخر حياة ابن عبد الهادي، وقد تفاقم شرّه وحاصر الصالحية وتوعدهم بالكبس والقتل والحرق والنهب وهم في أراجيف منه، وكتب لأهلها كتابًا يتوعدهم فيه.
وقد وقف ابن عبد الهادي من هذه الفتنة موقف علماء الملة المجاهدين حيث قال بعد أن ذكر رسالة (الدوادار آقبردي): "فسألني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت"، وكتب له جوابًا على رسالته مطولًا توعد فيه كل من أراد الأذى لأهل الصالحية٢.
وتعد الصالحية البيئة الخاصة التي نشأ فيها ابن عبد الهادي، ولذا يمكن التعريف هنا بهذه المدينة إبّان عصر المؤلّف، فالصالحية تقع في سفح جبل قاسيون، أنشأها بنو قدامة المقادسة سنة أربع وخمسين وخمس مئة، عندما هاجروا من بيت المقدس إلى دمشق٣، وقد قام بنو قدامة ببناء دور لهم، وشرعوا في بناء المدرسة العمرية، وهي أوّل مدرسة بنيت في الجبل، وتتابع البناء حولها، وقد ساعد على توسع الصالحية السلطان نور الدين ثم الملوك الأيوبيون، حيث قاموا ببناء عدة مدارس ومساجد٤.
وأصبحت الصالحية في العصر المملوكي مدينة مستقلة، فابن بطوطة الذي
_________
١ المقريزي: السلوك ١/٣٨٦، قاسم عبده قاسم: دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي ص: ١٣.
٢ ابن عبد الهادي: صبّ الخمول على من وصل أذاه أولياء الله والرسول ﷺ ق ٥، وابن طولون: مفاكهة الخلان ١/١٩٩.
٣ ابن طولون: القلائد الجوهرية ١/٦٤، ٦٦.
٤ دهمان: مقدمة القلائد الجوهرية ١/٨.
1 / 21
زارها سنة ست وعشرين وسبع مئة (٧٢٦هـ) قال عنها: "هي مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه، وفيها مسجد جامع ... "١. ويصفها القلقشندي وصفًا رائعًا فيقول: "مدينة الصالحية ممتدة في سفح الجبل تشرف على دمشق وضواحيها، ذات بيوت ومدارس، وربط، وأسواق، وبيوت جليلة ... "٢.
وأكثر أهلها حنابلة من بيت المقدس٣، وهي الآن حي من أحياء دمشق.
ب- الحياة الدينية:
لقد عانى المجتمع الإسلامي انقسامات وخلافات مذهبية أدت إلى صور من الصراع السياسي والعسكري بين الدويلات التي اتخذت نحلًا مختلفة، مدعية أنها على الطريق الأقوم وغيرها على طريق الضلال.
وكان الصراع الشديد في تاريخ الأمة الإسلامية بين اتجاهين هما: اتجاه الحق، اتجاه أهل السنة الذين هم متمسكون بعلوم القرآن والسنة، ويعدون السنة وعلوم الحديث مكملين للقرآن فلا بد من الاعتناء بهما كالاهتمام بالقرآن الكريم.
والاتجاه الثاني: وهو اتجاه الشيعة وهو مبني على الخرافة، وقد غلب على القرن الرابع فقد أيدته دولتان قويتان: دولة البويهيين في المشرق ودولة العبيديين في المغرب ومصر، ولم يلبث أن ضعف هذا الاتجاه بتغلب السلاجقة على المشرق٤، وهم من أهل السنة، ثم دولة صلاح الدين الأيوبي فالمماليك في الشام ومصر وهي دول سنية كذلك.
_________
١ ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة ١/٥٨.
٢ القلقشندي: صبح الأعشى ٤/٩٤.
٣ ياقوت: معجم البلدان ٣/٣٩٠.
٤ عبد المنعم حسنين: سلاجقة إيران والعراق ص: ٢٩.
1 / 22
وعليه فقد حافظت دولة المماليك على الاتجاه السني بشكل عام ولم تسمح بظهور أي أثر شيعي في الفكر الإسلامي.
فالغالبية العظمى في بلاد الشام هم من أهل السنة والجماعة ومنهم الحكام العسكريون (المماليك) ورجال الدين، بالإضافة إلى من يسمون العامة.
وكانوا جميعًا برغم الاختلافات العديدة بينهم وبرغم تضارب مصالحهم يشكلون مجتمعًا إسلاميًّا واحدًا، وبالرغم من أنهم لم يكونوا جميعًا يطبقون تعاليم الإسلام بحذافيرها.
وكان هناك فئات قليلة لا أثر لها في المجتمع المملوكي إلا في الحالات النادرة، وهم:
أوّلًا: الشيعة:
انتشر التشيع في بلاد الشام منذ أيام الدولة العبيدية بمصر والشام، ورغم محاربة المماليك لهذه الأفكار إلا أنه بقيت طائفة من الشيعة الإمامية - أو الاثني عشرية -، وكانوا يقيمون في دمشق غربي باب توما، وكان لهم مسجد على يمين الداخل من باب توما١، أظهروا فيه: (البدع) فاستاء الناس منهم، ورفعوا الأمر للسلطان في القاهرة وورد المرسوم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وثمان مئة (٨٩٢هـ) بهدم المسجد٢.
وكانوا يقيمون احتفال الأوّل من محرّم والعاشر منه عند قبر (الست زينب)، وهناك يختلط الرجال بالنساء وتكون المفاسد٣.
_________
١ العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ٧٨.
٢ ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/٨٢، ٨٣.
٣ العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ١٤١.
1 / 23
وهناك الإسماعيلية ولهم عدة قرى بالشام وهي: الرصافة، والخوابي، والقدموس، والكهف، والمنيقة، والقلعة، وتنتشر هذه بين نيابتي دمشق وطرابلس، وتسمى قراهم بـ: (قلاع الدعوة) ١.
الدروز: وكانوا يقيمون فيما يسمى اليوم جبل لبنان.
النصيرية: أتباع محمّد بن نصير البصري النميري (ت: ٢٧٠هـ)، وهؤلاء يعيشون في منطقة عرفت بهم، وهي منطقة جبال النصيرية في اللاذقية٢.
ثانيًا: أهل الذمة:
كان يقيم في قرية جوبر قرب دمشق وفي القسم الجنوبي الشرقي من المدينة طوائف من اليهود، في حين يقيم النصارى في شرقي البلد بالإضافة إلى انتشارهم في العديد من قرى النيابة٣.
أما النصارى: فقد كانوا في نيابة دمشق يضمون فئتين هما:
الملكانية: وهؤلاء يدينون بالولاء للبابا، وهم الذين يعرفون بالكاثوليك.
اليعقوبية: وهم الشرقين، ومذهبهم منتشر أيضًا في مصر والحبشة٤.
وقد ألزم النصارى بوضع العمامة الزرقاء وألزم السامرة٥ بوضع العمامة الحمراء، وذلك بإشارة وزير من المغرب قدم إلى مصر فانتقد الحرية الزائدة التي كان يتمتع بها أهل الذمة الذين رآهم يلبسون أفخر الملابس ويستخدمون في أجل
_________
١ القلقشندي: صبح الأعشى ٤/٢٣٥، و١٣/٢٣٥، الموسوعة الميسرة ص: ٤٨.
٢ العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص:٧٩، الموسوعة الميسرة ص:٥١٦.
٣ العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ٨١.
٤ القلقشندي: صبح الأعشى ١١/٣٩٢، و١٣/٢٧١، ابن الوردي: التاريخ ١/٢٨٩، المقريزي: الخطط ٢/٤٨٨، قاسم عبده قاسم: دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي ص: ٦٤.
٥ السامرة: قوم من اليهود يُخالفونهم في بعض أحكامهم. (القاموس ٥٢٥) .
1 / 24
المناصب. وهذا يدل على التساهل من حكام المماليك في تطبيق أحكام أهل الذمة، ويبدو أن كلامه كان له أثر عند بعض حكام المماليك ولاسيما (ركن الدّين الجاشنكير) الذي بادر إلى عزلهم من الوظائف الحكومية، ثم أغلقت كنائسهم، وكتب بذلك إلى جميع نواب السلطة، فجمع النصارى واليهود في دمشق ومنعوا ركوب الخيل والبغال، ونودي بإلزامهم بشعار أهل الذمة١.
على أن هذه الإجراءات الشديدة سرعان ما خففت وأعيد استخدام اليهود والنصارى في المناصب الحكومية وبقي الزيّ، بل كان اليهود يتولون المناصب الهامة في مصر والشام، فكان هناك كاتب سامري، أي: جابي ضرائب ويعرف بابن إبليس السامري، وكان يلح في الطلب على المسلمين ومن أراد تأخيره منهم أو مسامحته بجبي المال يقطع عنه الطلب مقابل أخذه نصف المبلغ المستحق له شخصيًا، ثم يشطب اسمه من قائمة الطلب، والناس معه في الذل والهوان، ولاسيما متولي الأوقاف، وأكثر الناس يتوددون إليه، وهو لا يزداد إلا طغيانًا٢.
وكان معلم دار الضرب في دمشق يهوديًّا، وكان مع ذلك معززًا ومكرمًا، وهو الذي وصفه ابن طولون بأنه: "عدو الله وعدو رسوله وعدو المسلمين الذي أهلك النقدين".
بل وصلت الجرأة عندهم في بعض الأحيان إلى إعلان دينهم وإيذاء المسلمين فقد جاء جماعة من نصارى الحبشة وعددهم ثلاثة آلاف نفس ودخلوا القدس لزيارة كنيسة القيامة، وكان رئيسهم يجلس على كرسي من ذهب، وأمر بضرب الناقوس، فوافق وقت الأذان، فلم يسمع الآذان،
_________
١ القلقشندي: صبح الأعشى ١٣/٢٧١، ٢٨٠، ابن طلحة: العقد الفريد للملك السعيد ص: ١٨١، العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ٨٤.
٢ ابن شاكر: عيون التاريخ ١٢/ق ٢٠٥.
1 / 25
ومقصودهم من ذلك إظهار دين النصرانية في تلك الأماكن الشرقية، فأنكر عليهم شخص واستغاث بالمسلمين وأنكر ذلك، فضربه النصارى بالأسلحة.
قال ابن طولون: "وأراح الله البلاد والعباد من حكام السوء مما حل بالإسلام والمسلمين"١.
إضافة إلى هذه الطوائف والديانات التي تعيش بين المجتمع المملوكي كان المجتمع في ذلك الوقت مليئًا بالبدع والخرافات، فهناك الموالد التي تقام بمناسبة مولد النبي ﷺ وغيره، وما يقع فيها من المفاسد والقبائح ما لا يمكن شرحه حتى أبطلوا قراءة القرآن لأجل التهتيك٢.
وذكر الحافظ ابن حجر: "أنه وجد في صبيحة يوم المولد مئة وخمسون جرة من جرار الخمر فارغات، هذا إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد والزنى ... "٣.
وانتشرت الصوفية في ذلك الوقت ووقع من أهلها كثير من الأعمال المنافية للإسلام، فهناك من يأكل٤ الحشيش، ومنهم من لا يتورع عن فعل الجرائم الأخلاقية والشعوذة٥. وكثر الدجالون والمدعون المضللون، فمنهم من زعم أنه النبي ﷺ واجتمع عليه العامة، ومنهم من تكلم من وراء حائط ففتن الناس واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة، ووصفه ابن العطار قائلًا:
يا ناطقًا من جدار وهو ليس يُرى ... اظهر وإلا فهذا الفعل فتانُ
_________
١ابن طولون: مفاكهة الخلان١/٣٩، وانظر: ابن حجر: إنباء الغمر١/٢٧٣، ٢٧٤.
٢ الصيرفي: نزهة النفوس ١/١٦٩.
٣ ابن حجر: إنباء الغمر ٢/٢٨٤، ٢٨٥.
٤ العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ١٧٧.
٥ ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/٢٩٧.
1 / 26
لم يسمع الناس للحيطان ألسنةً ... وإنما قيل للحيطانِ آذانُ١
كما كان المجتمع المملوكي يعج بالانحراف الأخلاقي٢، وكان القتل هو أعظم الجرائم المؤرقة لكثير من الناس، وقد ذكر ابن عبد الهادي أن الفتوى بجواز قتل العوانية٣ قد فتح بابًا واسعًا للشر حيث أغرى بعض الفقهاء للذعر٤ بأنه يجوز قتل أعوان الظلمة، فصار من في قلبه من أحد شيء إما يقتله أو يغريهم، ويعطيهم دراهم فيقتلونه ويحتجون بأنه عوني، فحصل بذلك فساد كثير.
قال الشيخ ابن عبد الهادي: "فسئلت عن هذه المسألة مرتين، فأجبت في الأولى بجواب مختصر نحو الكراسة، وفي الثانية بمطول نحو الثلاثين كراسًا وسميته: (الذعر في أحوال الزعر) ٥، ومحطهما عدم الجواز، وأنه لا يجوز لأحد إغراؤهم"٦.
وبين ﵀ أنه لا يجوز قتل هؤلاء الزعران باعتبارهم أعوان الظالمين، لأنه لو جاز ذلك فجواز قتل الظالمين أحق وأولى٧.
_________
١ ابن حجر: إنباء الغمر ١/١٩٨، ١٩٩.
٢ المقريزي: الخطط ١/٦٨، ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/٢٠، ٢١، الصيرفي: نزهة النفوس ١/١٦٩، عاشور: المجتمع المصري ص: ٢٢٥.
٣ العوانية: هم الذين يتجسسون لصالح الحكام.
٤ الزعران: هم الذين يعرفون في مصر بالحوافيش والجعيدية وفي العراق بالعيارين، وهم فئة من اللصوص والمحتالين. (البقلي: التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص: ١٧٠، العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ٩٥، ٩٦) .
٥ المراد به ذم الهوى والذعر من أحوال الزعر.
٦ ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/١٨٢.
٧ ابن عبد الهادي: ذم الهوى والذعر من أحوال الزعر ق ٥.
1 / 27
ج- الحياة العلمية:
كان العصر المملوكي من أنشط العصور العلمية وأهمها، فقد ظهر فيه طائفة من علماء الإسلام الذين جمعوا أشتات العلوم ونبغوا في مختلف الفنون، كانوا هم أصحاب الفضل في ضم شتات العلم في أسفار أشبه بدوائر المعارف الحديثة؛ لما اشتملت عليه من مؤلّفات متنوعة لعلوم مختلفة.
ولا أدل على ذلك من تلك الكتب التي وصلت إلينا من ذلك العصر، ولا تزال دور الكتب في جميع أنحاء العالم مشحونة بمئات المخطوطات التي ترجع إلى ذلك العصر١.
ويعود ذلك النشاط العلمي إلى أسباب منها:
١- المدارس ودور التعليم الأخرى:
امتاز عصر السلاطين المماليك بالبلاد الشامية والديار المصرية ببناء المدارس، وتوسع السلاطين في بناء المدارس، فأنشئت العديد من المدارس التي درس فيها كبار العلماء الذين زخر بهم ذلك العصر والذين نبغوا في مختلف الفنون الإسلامية٢. وكان عدد مدارس دمشق إحدى وستين ومئة مدرسة، ومن هذه المدارس مدارس فقهية للمذاهب الأربعة، فقد كان للأحناف: اثنتان وخمسون مدرسة، وللمالكية أربع مدارس، وللشافعية ثلاث وستون مدرسة، وللحنابلة إحدى عشرة مدرسة منها المدرسة العمرية المشهورة التي أنشأها أبو عمر بن قدامة المقدسي الحنبلي (ت: ٦٠٦هـ)، وهي أكبر المدارس في دمشق؛ لأنها اشتملت على ثلاث مئة وستين خلوة، تخرج فيها عدد كبير من العلماء، ودرس بها أئمة
_________
١ العمري: ابن عبد الهادي وأثره في الأصول ص: ٢١.
٢ المقريزي: الخطط ٤/٢٣٨، ٢٧٣، الغامدي: الخلافة العباسية في مصر ص: ٤٦٧.
1 / 28