76

The Keys to the Unknown

مفاتيح الغيب

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

(ح) قَوْلُهُ: (أَعُوذُ) حِكَايَةٌ عَنِ النَّفْسِ، وَلَا بد من الأربعة المذكورة في قوله: (أتين) . / أَمَّا الْمَبَاحِثُ الْعَقْلِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ فَهِيَ كَثِيرَةٌ (أ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: «بِاللَّهِ» بَاءُ الْإِلْصَاقِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْبَصْرِيُّونَ يُسَمُّونَهُ بَاءَ الْإِلْصَاقِ، وَالْكُوفِيُّونَ يُسَمُّونَهُ بَاءَ الْآلَةِ، وَيُسَمِّيهِ قَوْمٌ بَاءَ التَّضْمِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الْكَلَامِ أَنَّ هَذِهِ الْبَاءَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ لَا مَحَالَةَ، وَالْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلْصَاقُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الشَّيْءِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ، هَذَا الْبَاءُ فَهُوَ باء الإلصاق لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْإِلْصَاقِ، وَبَاءُ الْآلَةِ لِكَوْنِهِ دَاخِلًا عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ آلَةٌ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: «بِالْقَلَمِ» لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَلَامًا مُفِيدًا، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ تَقُولَ: «كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ مُتَعَلِّقٌ بِمُضْمَرٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: «بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ» وَمَعْنَاهُ أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، فَحَذَفَ أحلف لدلالة الكلام عليه، فكذا هاهنا، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِمَنْ يَسْتَأْذِنُهُ فِي سَفَرِهِ: عَلَى اسْمِ اللَّهِ أَيْ سِرْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِضْمَارِ فَنَقُولُ: الْحَذْفُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَفْصَحُ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ الْمُضْمَرِ لَاخْتَصَّ قَوْلُهُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ» بِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ أَمَّا عِنْدَ الْحَذْفِ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ الْوَهْمُ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَيَقَعُ فِي الْخَاطِرِ أَنَّ جَمِيعَ الْمُهِمَّاتِ، لَا تَتِمُّ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ، وَإِلَّا عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِاسْمِ اللَّهِ، وَنَظِيرُهُ أنه قال: «الله أكبر» ولم يقل أنه أَكْبَرُ مِنَ الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ لِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِفَادَةِ الْعُمُومِ فَكَذَا هُنَا. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْبَاءِ عَمَلٌ إِلَّا الْكَسْرُ فَكُسِرَتْ لِهَذَا السَّبَبِ، فَإِنْ قِيلَ: كَافُ التَّشْبِيهِ لَيْسَ لَهَا عَمَلٌ إِلَّا الْكَسْرُ ثُمَّ إِنَّهَا لَيْسَتْ مَكْسُورَةً بَلْ مَفْتُوحَةً، قُلْنَا: كَافُ التَّشْبِيهِ قَائِمٌ مَقَامَ الِاسْمِ، وَهُوَ فِي الْعَمَلِ ضَعِيفٌ، أَمَّا الْحَرْفُ فَلَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا بِحَسَبِ هَذَا الْأَثَرِ، فَكَانَ فِيهِ كَلَامًا قَوِيًّا. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْبَاءُ قَدْ تَكُونُ أَصْلِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَافِ: ٩] وَقَدْ تَكُونُ زَائِدَةً وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لِلْإِلْصَاقِ وَهِيَ كَقَوْلِهِ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) وَقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَثَانِيهَا: لِلتَّبْعِيضِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵁، وَثَالِثُهَا: لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فُصِّلَتْ: ٤٦] وَرَابِعُهَا: لِلتَّعْدِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَةِ: ١٧] أَيْ أَذْهَبَ نُورَهُمْ، وَخَامِسُهَا: الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي قَالَ: حَلَّ بِأَعْدَائِكَ مَا حَلَّ بِي أَيْ: حَلَّ فِي أَعْدَائِكَ، وَأَمَّا بَاءُ الْقَسَمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «بِاللَّهِ» فَهُوَ مِنْ جِنْسِ بَاءِ الْإِلْصَاقِ. الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَاءُ فِي قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [آل عمران: ٦] زائدة والتقدير: وامسحوا رؤسكم، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵁ إِنَّهَا تُفِيدُ التبعيض، حجة الشافي ﵁ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذِهِ الْبَاءَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لَغْوًا أَوْ مُفِيدًا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ كَلَامَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ لَغْوٌ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ إِظْهَارُ الْفَائِدَةِ فَحَمْلُهُ عَلَى اللَّغْوِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ يُفِيدُ فَائِدَةً زَائِدَةً، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ قَالَ: إِنَّ تِلْكَ الْفَائِدَةَ هِيَ التَّبْعِيضُ، الثَّانِي: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: «مَسَحْتُ بِيَدَيَّ

1 / 96