216

Mafātīḥ al-ghayb

مفاتيح الغيب

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition

الثالثة

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
تَعَالَى: إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْكَهْفِ: ١٤] بَلْ قُمْ قِيَامَ أَهْلِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْمُطَفِّفِينَ: ٦] ثُمَّ اقْرَأْ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبَعْدَهُ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ، وَبَعْدَهُ الْفَاتِحَةَ، وَبَعْدَهَا مَا تَيَسَّرَ لَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَاجْتَهِدْ فِي أَنْ تَنْظُرَ مِنَ اللَّهِ إِلَى عِبَادَتِكَ حَتَّى تَسْتَحْقِرَهَا وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ عِبَادَتِكَ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ صِرْتَ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَهَذَا سِرُّ قَوْلِهِ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ الْآنَ جَارِيَةٌ مَجْرَى خَشَبَةٍ عَرَضْتَهَا عَلَى نَارٍ خَوْفَ الْجَلَالِ فَلَانَتْ، فَاجْعَلْهَا مَحْنِيَّةً بِالرُّكُوعِ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ اتْرُكْهَا لِتَسْتَقِيمَ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبْغِضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى فَإِذَا عَادَتْ إِلَى اسْتِقَامَتِهَا فَانْحَدِرْ إِلَى الْأَرْضِ بِنِهَايَةِ التَّوَاضُعِ وَاذْكُرْ رَبَّكَ بِغَايَةِ الْعُلُوِّ، وَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، فَإِذَا أَتَيْتَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ حَصَلَ لَكَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الطَّاعَةِ: الرُّكُوعُ الْوَاحِدُ، وَالسُّجُودَانِ، وَبِهَا تَنْجُو مِنَ الْعَقَبَاتِ الثَّلَاثِ الْمُهْلِكَةِ، فَبِالرُّكُوعِ تَنْجُو عَنْ عَقَبَةِ الشَّهَوَاتِ، وَبِالسُّجُودِ الْأَوَّلِ تَنْجُو عَنْ عَقَبَةِ الْغَضَبِ الَّذِي هُوَ رَئِيسُ الْمُؤْذِيَاتِ، وَبِالسُّجُودِ الثَّانِي تَنْجُو عَنْ عَقَبَةِ الْهَوَى الَّذِي هُوَ الدَّاعِي إِلَى كُلِّ الْمُهْلِكَاتِ وَالْمُضِلَّاتِ، فَإِذَا تَجَاوَزْتَ هَذِهِ الْعَقَبَاتِ وَتَخَلَّصْتَ عَنْ هَذِهِ الدَّرَكَاتِ فَقَدْ وَصَلْتَ إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَاتِ، وَمَلَكْتَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَانْتَهَيْتَ إِلَى عَتَبَةِ جَلَالِ مُدَبِّرِ الْأَرْضِ والسموات، فَقُلْ عِنْدَ ذَلِكَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، فَالتَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ بِاللِّسَانِ، وَالصَّلَوَاتُ بِالْأَرْكَانِ، وَالطِّيِّبَاتُ بِالْجَنَانِ وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَصْعَدُ نُورُ رُوحِكَ وَيَنْزِلُ نُورُ رُوحِ مُحَمَّدٍ ﷺ/ فَيَتَلَاقَى الرُّوحَانِ، وَيَحْصُلُ هُنَاكَ الرُّوحُ وَالرَّاحَةُ وَالرَّيْحَانُ، فَلَا بُدَّ لِرُوحِ مُحَمَّدٍ ﵊ مِنْ مَحْمَدَةٍ وَتَحِيَّةٍ، فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ ﵊: «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ»، وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَكَ فَهَذِهِ الْخَيْرَاتُ وَالْبَرَكَاتُ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ وَجَدْتَهَا؟ وَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلْتَ إِلَيْهَا؟ فَقُلْ بِقَوْلِي: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقِيلَ لَكَ إِنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الَّذِي هَدَاكَ إِلَيْهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ هَدِيَّتُكَ لَهُ؟ فَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَقِيلَ لَكَ:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الَّذِي طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْكَ مِثْلَ هَذَا الرَّسُولِ فَقَالَ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٢٩] فَمَا جَزَاؤُكَ لَهُ؟ فَقُلْ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فَيُقَالُ لَكَ: فَكُلُّ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ مِنْ إِبْرَاهِيمَ أَوْ مِنَ اللَّهِ؟ فَقُلْ: بَلْ مِنَ الْحَمِيدِ الْمَجِيدِ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ بِهَذِهِ الْأَثْنِيَةِ وَالْمَدَائِحِ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَافِلِ الْمَلَائِكَةِ بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ ﵊ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ ﷿: «إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْ مَلَئِهِ»
فَإِذَا سَمِعَ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ اشْتَاقُوا إِلَى هَذَا الْعَبْدِ فَقَالَ اللَّهُ: «إِنَّ ملائكة السموات اشْتَاقُوا إِلَى زِيَارَتِكَ وَأَحَبُّوا الْقُرْبَ مِنْكَ، وَقَدْ جاؤك فَابْدَأْ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ لِتَحْصُلَ لِكَ فِيهِ مَرْتَبَةُ السَّابِقِينَ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ الْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ فَيَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: ٢٤] .

1 / 236