157

Mafātīḥ al-ghayb

مفاتيح الغيب

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ إِنَّهُ ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ فَوَجَبَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، إِذْ لَوْ جَازَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْقُرْآنِ مَعَ هَذِهِ الْمُوجِبَاتِ الْكَثِيرَةِ وَمَعَ الشُّهْرَةِ لَجَازَ إِخْرَاجُ سَائِرِ الْآيَاتِ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الطَّعْنَ فِي الْقُرْآنِ.
الْحُجَّةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُنْزِلُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﵊ وَكَانَ يَأْمُرُ بِكَتْبِهِ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ حَاصِلَ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ فَرَجَعَ إِلَى أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ مِثْلَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ قِرَاءَتُهُ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ، وَلِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ؟ فَنَقُولُ: ثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَحْوَطُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ،
لِقَوْلِهِ ﵊: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلا مَا لَا يَرِيبُكَ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ: تَعَلَّقُوا بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْخَبَرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ﵊ لَمْ يَذْكُرِ التَّسْمِيَةَ، وَلَوْ كَانَتْ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ لَذَكَرَهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: جَعَلْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الصَّلَاةِ الْفَاتِحَةُ، وَهَذَا التَّنْصِيفُ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا قُلْنَا إِنَّ التَّسْمِيَةَ/ لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا لِلَّهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ- وَلِلْعَبْدِ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ- وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ- أَمَّا إِذَا جَعَلْنَا بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة حَصَلَ لِلَّهِ أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ، وَلِلْعَبْدِ آيَتَانِ وَنِصْفٌ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ التَّنْصِيفَ الْمَذْكُورَ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ:
رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْتَتِحُ الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: لَزِمَ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْحُجَّةِ الْأُولَى مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ:
أَنَّا نَقَلْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَدَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً تَامَّةً مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ،
وَلَمَّا تَعَارَضَتِ الرِّوَايَتَانِ فَالتَّرْجِيحُ مَعَنَا، لِأَنَّ رِوَايَةَ الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ. الثَّانِي:
رَوَى أَبُو دَاوُدَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنِ النَّخْعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَجَّدَنِي عَبْدِي وَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي،
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ فِي مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، يَعْنِي فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا حَصَلَتْ ثَلَاثَةٌ قَبْلَهَا وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ثَلَاثَةٌ قَبْلَهَا لَوْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً لَنَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ النِّصْفِ كَمَا يَحْتَمِلُ النِّصْفَ فِي عَدَدِ الْآيَاتِ فَهُوَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ النِّصْفَ فِي الْمَعْنَى،
قَالَ ﵊: الْفَرَائِضُ نِصْفُ الْعِلْمِ،
وَسَمَّاهُ بِالنِّصْفِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَحْثٌ عَنْ أَحْوَالِ الْأَمْوَاتِ، وَالْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ قِسْمَانِ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: أَصْبَحْتُ وَنِصْفُ النَّاسِ عَلِيَّ غَضْبَانُ، سَمَّاهُ نِصْفًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُمْ رَاضُونَ وَبَعْضَهُمْ سَاخِطُونَ، الرَّابِعُ: إِنَّ دَلَائِلَنَا فِي أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ صَرِيحَةٌ، وَهَذَا الخبر الذي تمكسوا بِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانَ أَنَّ بِسْمِ

1 / 177