Mafātīḥ al-ghayb
مفاتيح الغيب
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٠ هـ
Publisher Location
بيروت
Genres
Tafsīr
ذَاكَ؟ قَالَ: «إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ سَمِعْتُ النِّدَاءَ باقرأ»، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: إِذَا أَتَاكَ النِّدَاءُ فَاثْبَتْ لَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ﵇ وَقَالَ لَهُ: قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فقال: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: دَقَّ اللَّهُ فَاكَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، رَوَى الثَّعْلَبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: لِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوَةٌ وَهَذِهِ هَفْوَةُ مُجَاهِدٍ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى خِلَافِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ سُورَةَ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثانِي، [الحجر: ٨٧] وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى آتَاهُ هَذِهِ السُّورَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ، الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلَا فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ مَرَّةً، وَبِالْمَدِينَةِ مَرَّةً أُخْرَى، فَهِيَ مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ، وَلِهَذَا السَّبَبِ سَمَّاهَا اللَّهُ بِالْمَثَانِي، لِأَنَّهُ ثَنَّى إِنْزَالَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي تَشْرِيفِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي بَيَانِ فَضْلِهَا،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ،
وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ الْقَوْمَ لَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ حَتْمًا مَقْضِيًّا فَيَقْرَأُ صَبِيٌّ مِنْ صِبْيَانِهِمْ فِي الْمَكْتَبِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَيَسْمَعُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَرْفَعُ عَنْهُمْ بِسَبَبِهِ الْعَذَابَ أَرْبَعِينَ سَنَةً،
وَعَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ مِنَ السَّمَاءِ فَأَوْدَعَ عُلُومَ الْمِائَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفَرْقَانُ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْفُرْقَانِ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْفُرْقَانِ فِي الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَاتِحَةِ فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ الْفَاتِحَةِ كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ جَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ.
قُلْتُ: وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ عِلْمُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُكَاشَفَاتِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَمَامِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ الشَّرِيفَةُ حَاصِلَةٌ فِيهَا لَا جَرَمَ كَانَتْ كَالْمُشْتَمِلَةِ عَلَى جَمِيعِ الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالُوا: هَذِهِ السُّورَةُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا سَبْعَةٌ مِنَ الْحُرُوفِ، وَهِيَ الثَّاءُ، وَالْجِيمُ وَالْخَاءُ، وَالزَّايُ، وَالشِّينُ، وَالظَّاءُ، وَالْفَاءُ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ السَّبْعَةَ مُشْعِرَةٌ بِالْعَذَابِ فَالثَّاءُ تَدُلُّ عَلَى الْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، قَالَ تَعَالَى: لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا واحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [الْفُرْقَانِ: ١٤] وَالْجِيمُ أَوَّلُ حُرُوفِ اسْمِ جَهَنَّمَ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الْحِجْرِ: ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الْأَعْرَافِ: ١٧٩] وَأَسْقَطَ الْخَاءَ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالْخِزْيِ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التَّحْرِيمِ: ٨] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ [النَّحْلِ: ٢٧] وَأَسْقَطَ الزَّايَ وَالشِّينَ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ حُرُوفِ الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ، قَالَ تَعَالَى: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هُودٍ: ١٠٦] وَأَيْضًا الزَّايُ تَدُلُّ عَلَى الزَّقُّومِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ [الدُّخَانِ: ٤٣] وَالشِّينُ تَدُلُّ عَلَى الشَّقَاوَةِ، قَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ [هُودٍ: ١٠٦] وَأَسْقَطَ الظَّاءَ لِقَوْلِهِ: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [الْمُرْسَلَاتِ: ٣٠، ٣١] وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى لَظَى، قَالَ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّها لَظى
1 / 160