The Keys to the Unknown
مفاتيح الغيب
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٠ هـ
Publisher Location
بيروت
السَّادِسَةُ: سَمَّى نَفْسَهُ رَحْمَانًا رَحِيمًا فَكَيْفَ لَا يَرْحَمُ؟ رُوِيَ أَنَّ سَائِلًا وَقَفَ عَلَى بَابٍ رَفِيعٍ فَسَأَلَ شَيْئًا فَأُعْطِيَ قَلِيلًا، فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِفَأْسٍ وَأَخَذَ يُخَرِّبُ الْبَابَ فَقِيلَ لَهُ: وَلِمَ تَفْعَلُ؟ قَالَ: إِمَّا أَنْ يُجْعَلَ الْبَابُ لَائِقًا بِالْعَطِيَّةِ أَوِ الْعَطِيَّةُ لَائِقَةً بِالْبَابِ. إِلَهَنَا إِنَّ بِحَارَ الرَّحْمَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَحْمَتِكَ أَقَلُّ مِنَ الذَّرَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْشِ، فَكَمَا أَلْقَيْتَ فِي أَوَّلِ كِتَابِكَ عَلَى عِبَادِكَ صِفَةَ رَحْمَتِكَ فَلَا تَجْعَلْنَا مَحْرُومِينَ عَنْ رَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ.
السَّابِعَةُ: «اللَّهُ» إِشَارَةٌ إِلَى الْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعُلُوِّ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ أَكْثَرُ وَأَكْمَلُ مِنْ قَهْرِهِ.
الثَّامِنَةُ: كَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ لِبَعْضِ عَبِيدِ الْمَلِكِ أَنَّهُمْ إِذَا اشْتَرَوْا شَيْئًا مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَضَعُوا عَلَيْهَا سِمَةَ الْمَلِكِ لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهَا الْأَعْدَاءُ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ لِطَاعَتِكَ عَدُوًّا وَهُوَ الشَّيْطَانُ فَإِذَا شَرَعْتَ فِي عَمَلٍ فَاجْعَلْ عَلَيْهِ سِمَتِي، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعَدُوُّ فِيهَا.
التَّاسِعَةُ: اجْعَلْ نَفْسَكَ قَرِينَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا تَبْعُدَ عَنْهُ فِي الدَّارَيْنِ،
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ دَفَعَ خَاتَمَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ فَقَالَ: اكْتُبْ فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى النَّقَّاشِ وَقَالَ: اكْتُبْ فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَتَبَ النَّقَّاشُ فِيهِ ذَلِكَ، فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخَاتَمِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَرَأَى النَّبِيُّ فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا هَذِهِ الزَّوَائِدُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَضِيتُ أَنْ أُفَرِّقَ اسْمَكَ عَنِ اسْمِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَمَا قُلْتُهُ، وَخَجِلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ ﵇ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا اسْمُ أَبِي بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ أَنَا لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ أَنْ يُفَرِّقَ اسْمَكَ عَنِ اسْمِ اللَّهِ فَمَا رَضِيَ اللَّهُ أَنْ يُفَرِّقَ اسْمَهُ عَنِ اسْمِكَ،
وَالنُّكْتَةُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا لَمْ يَرْضَ بِتَفْرِيقِ اسْمِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَنِ اسْمِ اللَّهِ ﷿ وَجَدَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُفَارِقِ الْمَرْءُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى؟.
الْعَاشِرَةُ: أَنَّ نُوحًا ﵇ لَمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها [هُودٍ: ٤١] فَوَجَدَ النَّجَاةَ بِنِصْفِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَمَنْ وَاظَبَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ طُولَ عُمْرِهِ كَيْفَ يَبْقَى مَحْرُومًا عَنِ النَّجَاةِ؟ وَأَيْضًا أَنَّ سُلَيْمَانَ ﵇ نَالَ مَمْلَكَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النَّمْلِ:
٣٠] فَالْمَرْجُوُّ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَهُ فَازَ بِمُلْكِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ قَدَّمَ سُلَيْمَانُ ﵇ اسْمَ نَفْسِهِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ بِلْقِيسَ لَمَّا وَجَدَتْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مَوْضُوعًا عَلَى وِسَادَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إِلَيْهَا طَرِيقٌ وَرَأَتِ الْهُدْهُدَ وَاقِفًا عَلَى طَرَفِ الْجِدَارِ عَلِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ سُلَيْمَانَ، فَأَخَذَتِ الْكِتَابَ وَقَالَتْ:
إِنَّهُ مِنْ سلميان، فَلَمَّا فَتَحَتِ الْكِتَابَ وَرَأَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَتْ: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ مِنْ كَلَامِ بِلْقِيسَ لَا كَلَامِ سُلَيْمَانَ: الثَّانِي: لَعَلَّ سُلَيْمَانَ كَتَبَ عَلَى عُنْوَانِ الْكِتَابِ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَفِي دَاخِلِ الْكِتَابِ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبُ، فَلَمَّا أَخَذَتْ بِلْقِيسُ ذَلِكَ الْكِتَابَ قَرَأَتْ مَا فِي عُنْوَانِهِ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ، فَلَمَّا فَتَحَتِ الْكِتَابَ قَرَأَتْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَتْ: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: الثَّالِثُ: أَنَّ بِلْقِيسَ كَانَتْ كَافِرَةً فَخَافَ سُلَيْمَانُ أَنْ تَشْتُمَ اللَّهَ إِذَا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ فَقَدَّمَ اسْمَ نَفْسِهِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، لِيَكُونَ الشَّتْمُ لَهُ لَا لِلَّهِ تَعَالَى.
1 / 153