الرغم من بعدها؟! ألا يحس بشيء يختلج في فؤاده،
وبالرهبة تستولي عليه وهو يرى كيف ينشأ البديع
من البديع؟ إنه عندئذ لم يفهم هذا العالم ولا رأى
العالم الآخر. أما إذا زعموا أنهم لا يتأثرون ولا
يميزون بين الأجساد
القبيحة أو الأجساد الجميلة التي يرونها، فإنهم لا
يستطيعون كذلك أن يميزوا بين الأفعال القبيحة
والأفعال الجميلة، ولا أن يتبينوا العلوم
الجميلة، ولا أن يبلغوا الرؤية ولا الله.
فالطريق إذن إلى مشاهدة الواحد يبدأ من مشاهدة هذا العالم الجميل، ولا يتسنى للإنسان أن يرى الرؤية الحقة حتى يغوص بكليته في هذه الأرض، ويملأ عينيه من هذا الواقع المحسوس. العقل هو الدرجة الأخيرة على سلم الفكر الصاعد، ولا بد هنا من الإشارة إلى خطأ شائع يتهم فيه أفلوطين بمعاداة العقل، فالواقع أنه قد قدر العقل وأعلى من شأنه، ولكن تقدير العقل أو احتقاره ليسا في الحقيقة بالأمر الأساسي، فإن عظمة أفلوطين تكمن في أنه لم يقف عند هذا العقل على الرغم من تقديره لقوته، بل تجاوزه إلى ما وراءه، وحقق ما سميناه بالعلو عليه، ومضى في الطريق الصاعد نحو الواحد.
Unknown page