Al-Madkhal al-fiqhī al-ʿāmm
المدخل الفقهي العام
Publisher
دار القلم
Genres
وقد تأخذ هذه المشكلة صورة أخرى وهي أن يعين أولو الأمر لبعض المناصب المهمة شرعا كالافتاء من ليسوا علماء راسخين في الشريعة، أو من يأتمرون بأمر الحاكم خوفا أو طمعا.
فقد شهدنا بأم أعيننا، وسمعنا في هذا العصر وقرأنا عن أمثال هؤلاء المفتين الرسميين وذوي الرئاسات والمناصب العلمية الدينية من الفتاوى والتصريحات التي يعلنونها وينشرونها باسم الدين الإسلامي استجابة منهم لرغبات بعض الحكام الفاسدين المستبدين الذين يملكون سلطة عزلهم من مناصبهم والاستبداد بأرزاقهم، وفي تلك الفتاوى والتصريحات العجب العجاب.
فهؤلاء المرتزقة من العلماء لم يعودوا يحسون بما يفعل الحاكم الفاسد من استخفاف بقواعد الاسلام، واستغلال لحكمه وسلطته في سبيل تحقيق أهوائه ومطامحه الاستبدادية الخبيثة، ومن تسخيره أجهزة الدولة ووسائلها الإعلامية للدعايات الكاذبة المضللة تغطية لانحرافاته، ومن فتحه مجالات إضاعة الأموال العامة وسرقتها لمؤيديه، وإطلاقه حرية الفسق والفتنة الأخلاقية للملاحدة والانحلاليين من رجال ونساء لإلهاء الناس عن مفاسد حكمه، وخنق كل صوت يأمر بمعروف أو ينهىل عن منكر.
هذا واقع قد شهدناه في هذا العصر، ولا تزال أمثلته قائمة في بعض البلاد. فأمثال هؤلاء الحكام ما قيمة أمرهم ونهيهم باسم الإسلام؟ وأمثال أولئك المرتزقة من علماء الدين الذين ينافقون لهم في سبيل الدنيا، ما قيمة فتاواهم وتصريحاتهم في تأييد تصرفاتهم ورغباتهم هذا، وقد نقل ابن عابدين رحمه الله في آخر كتاب الأشربة من حاشيته رد المحتار على الدر المختار عن العلامة البيري وعن الشيخ عبد الغني النابلسي كلاما نفيسا في صفة الحاكم الذي تجب طاعة أمره شرعا وفقا للآية القرآنية القائلة: (يآيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرمول وأؤلى الأمي منكر ) (النساء 59/4).
Page 222