فاجتمع إليه كثير من أعيان البلاد بينهم وفد من زحلة في المديرج، فأشار عليهم بإيقاف القتال وتفريق الرجال، فاستأذن خليل حجي وتكلم أمامه بجرأة قائلا: يا مولاي يعيش راسك إن النصارى لا ينفضون حتى يفرق شمل الدروز ويعودوا إلى مواطنهم لنكون في مأمن من مهاجمتهم. وصادق على قوله أعيان معظم الوفود المسيحية؛ فلذلك لم يستطع الوزير إخماد نار الفتنة لعدم انقياد زعماء الطائفتين إليه.
فعاد الزحليون إلى بلدتهم وقد فشلوا في حربهم؛ لانقسام كلمتهم وتنابذهم، وكان الذين فقدوا منهم بالموقعتين المذكورتين هم: يوسف حجي، وجرجس نابيه، ونقولا سماحة، وحبيب السكاف، ويوسف زنبقه، وحبيب ريا، وطنوس حجي، وظاهر الخياط، وجرجس رومية، ويوسف رحال، وأبو حيدر إلياس البريدي وصليبي البخاش، وأبو حسون الصائغ، وجرجس السكاف، وشاهين العتل، وحنا أبو فيصل.
27
ويقال: إن خليل معكرون هجم على الدروز فرموه بالرصاص قتيلا.
28
ولما اجتمع الزحليون في بلدتهم وأوجسوا خيفة من هذا الفشل وعلموا أن سببه إنما هو انقسامهم، جمعوا كلمتهم واتفقوا قلبا وقالبا وأقسموا الأيمان المغلظة أنهم يكونون جميعهم في المدافعة يدا واحدة وقلبا واحدا وينبذون التضاغن والتحاسد ظهريا، متواثقين متعاهدين على الدفاع عن حوزتهم بكل قواهم، وذلك بحضرة المطران باسيليوس شاهيات فباركهم، فاجتمع أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل وقيل نحو ألفين وخمسمائة، ومعهم بعض الذين كانوا قد التجأوا إلى زحلة من البقاع والعرقوب في الشوف.
فزحفوا يوم الخميس في 26 نيسان المذكور وجميعهم بقيادة عبد الله أبي خاطر المشهور بدربته وحنكته، فخيم عسكر الزحليين في حمى كفر سلوان والدروز اجتمعوا في قرنايل ، فتربص الزحليون متوقعين هجوم الدروز عليهم فلم يفعلوا. وفي صباح اليوم التالي (السبت) في 27 منه اختلف عبد الله أبو خاطر وعساف مسلم على خطة الهجوم، فالأول أحب التريث والتمهل والثاني مال إلى الهجوم، ولما رأى أبو خاطر أن المقاتلين يودون الهجوم أرسل أولا العراقبة (سكان العرقوب) بقيادة إبراهيم الطحان من دير القمر والبكافنة (سكان بكفيه) الذين كانوا قد انضموا إلى الزحليين بقيادة يوسف الشنتيري، فهجموا على قرنايل من جهتين متخالفتين فدحرهم الدروز ولم يستطيعوا دخول القرية لحصانتها وكثرة الدروز.
ولما رأى القائد العام عبد الله أبو خاطر ذلك، وكان عساف مسلم قد تقدم بنحو خمسين مقاتلا لنجدة النصارى اخترط هو سيفه، وسار أمام الزحليين الذين نظمهم صفوفا على خط مستطيل، وأشار إليهم أن لا يطلق الواحد منهم إلا رصاصة واحدة من بندقيته، وهكذا كان فاستمروا في هجومهم هذا وهو أمامهم إلى أن دخلوا قرنايل وأخرجوا الدروز منها، وقتلوا نحو ثلاثمائة بينهم ضابطان من عسكر خورشيد باشا قيل قتلهم الدروز، وقيل الزحليون لأنهم دخلوا بين المتقاتلين.
وكان عسكر بسكنته وكفر عقاب في السفيلة تحت بعبدات بقيادة الأمير أحمد الطرودي اللمعي، فلما رأوا الزحليين هاجمين لاقوهم وكذلك بقية عسكر المتن بقيادة الشيخ غندور الخوري السعد، فأطبقوا بقرنايل قبل ظهر ذلك اليوم وأحرقوها ثم ارتدوا إلى القرى المجاورة، فأتموا حريقها الذي كانوا قد بدءوا به في الموقعة الماضية كما مر، ثم أوقفهم عسكر خورشيد باشا عن القتال، فعادوا إلى زحلة والنصر حليفهم ولم يهرق منهم بهذه الموقعة نقطة دم لا قتلا ولا جرحا، وذلك بفضل قائدهم المحنك عبد الله أبي خاطر،
29
Unknown page