لقد قابلتنا بالعجائب بحرة
مكملة الأوصاف والطول والعرض
كأن الذي يرنو إليها بطرفه
يرى نفسه فوق السماء وهو في الأرض
ولما كان موقع لبنان بين الدرجتين 33 و35 من العرض كان أشبه بالبلاد المعتدلة الحارة،
5
ولكن الأمكنة التي تقرب من الجبل تلطف الثلوج حرارة صيفها ويرطب سدى (ندى) الليل جوها، وهكذا موقع مدينة زحلة، فإنها بين اللبنانين الشرقي والغربي منحرفة إلى هذا، فلما تشتعل رءوسهما شيبا وتتعمم قممهما بياضا يتلطف جو ما يجاورهما ولا سيما هذه المدينة، فيصير هواءها جافا كثيرا؛ ولذلك توجد في إقليمها (مناخها) مناعة ضد الأوبئة والأمراض العضالة، ولو اعتنى الأهلون بقوانين الصحة؛ لكانت أفضل موافقة للأجسام منها الآن.
ومن المقرر أن هواء المدن النقي هو ما كان على ارتفاع 25 قدما عن أسواقها المزدحمة بالسكان، وزحلة ترتفع عن النهر نحو مائة متر، ويعلو معظم بيوتها عن الأسواق نحو سبعين قدما، وهي منضدة بعضها فوق بعض، بحيث تنكشف للشمس وينفسح فيها مجرى الهواء؛ فلذلك ترى الصحة فيها جيدة جدا، وهي أشبه بدمشق والقاهرة بجفاف هوائها، ولكنها تفضلهما بتوسطها بين جبلي صنين والكنيسة المتعميين بالثلج في أكثر أيام السنة، ومقابلتها للبنان الشرقي (أنتيلبنان) المكلل ببياض المشيب.
فالخريف فيها جيد في بعض السنين، حتى يكاد يضاهي الربيع بطيب هوائه واعتدال مطره، ولكنه قد يكون طورا رطبا فتكثر الحميات، وتارة جافا فتكثر النزلات الصدرية كجفافه في العام الماضي سنة 1910م، ورطوبته في السنة التي قبلها سنة 1909م، حتى إن السيول خربت كثيرا من المدينة على جانبي النهر فاستنهر، وقد تنقطع السيول كما جرى في خريف السنة الماضية 1910، ولم يتساقط المطر والثلج إلا في منتصف كانون الثاني من السنة الحالية 1911.
وصيفها جميل، لكن الشمس في أثناء النهار ترسل أشعتها عموديا على هذا الوادي المسور بالتلال إلا من شرقيه، فتنحصر حرارتها فيه كأنها في محترق عدسية (زجاجة محرقة)؛ فضلا عن أن الشمس تنعكس عن مشارف المدينة البيضاء التربة (التي ليس فيها ظل يلطف الحر. أما الكروم فلا ساق لها منتصبة لترمي ظلا)، فتشتد فيها حمارة القيظ حتى تصهر الأدمغة، ولما تميل الشمس إلى المغيب يكون الأصيل فيها لطيفا والنسيم بليلا، فيخرج الناس زرافات ووحدانا إلى المتنزهات مزدحمين في طرقها حتى بعض ساعات من الليل الذي يكون في الغالب رطبا بليلا.
Unknown page