ودعونا من الحديث عن تلوث جو مصر - والقاهرة على وجه الخصوص - بحيث إن تلوثها أصبح يعادل عشرة أضعاف الحد المسموح به للتلوث في أي مدينة أو مجتمع بشري، لا أذكر الرقم على وجه الدقة، ولكن ما أعرفه أن التلوث في أجواء القاهرة هو أعلى معدل للتلوث في العالم.
دعونا من هذا.
ودعونا من التلوث الضجيجي الذي تحفل به مدننا وقرانا، صباحا ومساء، وفجرا وليلا، وفي كل وقت ...
ودعونا أيضا من هذا فليس ذلك هو موضوعنا هذه المرة.
فنحن نعرف كل تلك الحقائق المرعبة عن الظروف غير الملائمة للحياة التي يعيش فيها الإنسان المصري.
ومع هذا فنحن صابرون، في انتظار الجنة؛ فالجنة - هكذا قال الله سبحانه - للصابرين.
ولكن حكاية اللبن المشع تلك قصة لا يدري الإنسان أيموت ضحكا منها أم يموت كمدا، فهي قصة - كما يقولون - لها العجب.
إنها جريمة، قصة جريمة عادية من الجرائم الكثيرة التي يرتكبها المجرمون الساعون إلى الربح ولو على حساب حياة البشر: شركة ألمانية مجرمة أنتجت كمية هائلة من الألبان، حين فحصتها وزارة الصحة الألمانية وجدت أن نسبة الإشعاع بها أضعاف أضعاف النسبة القاتلة للإنسان سواء أكان طفلا أو رجلا، وهكذا أمرتها الحكومة الألمانية بالتخلص من تلك الألبان ولو كانت آلاف الآلاف من الأطنان، ودخلت الشركة في مفاوضات مع الشركات الأمريكية (أو اللجان الحكومية لا أعرف بالضبط) التي تخصصت في دفن النفايات الذرية والتخلص منها، لتتخلص من ذلك اللبن القاتل، ولكن السلطات الأمريكية رفضت أن تقوم بالعمل لكثافة الإشعاع، ولم يبق أمام الشركة الألمانية إلا أن تقوم بإعدام الألبان بنفسها، وإعدام تلك الكمية الهائلة وبطريقة لا يتم بها إعدامها فقط، ولكن أيضا بالتخلص من الإشعاعات المذابة الكامنة فيها، عمل مكلف جدا! لكن فكر عقل مجرم شرير في تلك الشركة الألمانية في ألا يتخلص من تكاليف ومجهودات إعدام الألبان فقط، ولكن أن يبيع تلك الألبان نفسها، ويحول الخسائر المتوقعة إلى ربح رهيب باهظ.
وهكذا أطلق سماسرته في دول العالم الثالث؛ لأنه يعرف أن تلك الدول لا تدقق كثيرا في فحص وارادتها الغذائية، وبالأخص لا تدقق كثيرا في المحتوى الإشعاعي لتلك الأغذية ومقاديرها.
وهكذا التقى هذا السمسار بمستورد مصري، مجرم هو الآخر، واتفقا على الصفقة، يشتريها المصري بأبخس سعر، وينجح فيها الألماني بالتخلص منها ويبيعها بأي سعر، أو حتى بإبعادها عن ألمانيا بلا سعر ولا تكلفة إعدام.
Unknown page