بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي دل بعجز الخلائق عن إيجاد مخلوقاته دليلا على وجوده، ونصب العالمين علامة وبرهانا موصلا إليه لأنها رشحة من فيض وجوده، وبعث أنبياء ومرسلين مبشرين ومنذرين بوعده ووعيده، وعززهم بأوصيائهم حفظة لوحيه وشريعته، وأيدهم بالمعاجز إعلاما بصدقهم عليه، وأن كلما جاءوا به فهو من عنده، فله جل جلاله الحجة البالغة لئلا يكون حجة لعبيده، والصلاة والسلام على محمد وآله غاية الكون والمكان، ولولاهم ما خلق الله سبحانه الإنس والجان موضع سره من المخلوقات، وصفوته من البريات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة واطأ القلب فيها اللسان، ووافق فيها الجنان الأركان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأن الخليفة من بعده بلا فصل إمام أمته علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد الوصيين، ثم من بعده ابنه الحسن الزكي النور المبين، ثم من بعده أخوه الحسين قدوة المؤمنين، وسيد المستشهدين، ثم من بعده ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم من بعده انه محمد باقر علم النبيين والمرسلين، ثم من بعده ابنه جعفر الصادق الأمين، ثم من بعده ابنه موسى الكاظم الغيظ على الجاحدين، ثم من بعده ابنه علي الرضا المرتضى في السماوات والأرضين، ثم من بعده ابنه محمد الجواد في الأكرمين، ثم من بعده ابنه علي هادي المضلين، ثم من بعده الحسن
Page 27
الزكي الحبل المتين وقرة عين المتقين، ثم من بعده ابنه الخلف الحجة القائم بقية الله في العالمين.
أما بعد:
فيقول فقير الله الغني عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني: لما رأيت الكتب العلمية قد انطمست، وأسفار الاخبار والآثار قد اندرست، وكانت قبل هذا الزمان عينا، ثم صارت أثرا، ثم بعد ذلك لا أثر يرى كأنها لم تكن شيئا مذكورا، وكانت أقمار العلوم في ذلك الزمان منيرة، وكتبها في الآفاق مستطيرة كثيرة.
فقد حكي صاحب عمدة النسب (1): إن كتب المرتضى كانت ثمانين ألف مجلد.
قال: ويحكي عن الصاحب إسماعيل بن عباد أن كتبه تحتاج إلى سبعمائة بعير.
قال: وحكي عن الشيخ الرافعي (2) أن كتبه مائة ألف وأربعة عشر ألف مجلد.
قال: وقد أناف القاضي عبد الرحمان الشيباني، على جميع من جمع كتبا فاشتملت خزانته على مائة ألف وأربعين ألف مجلد، فأين هذه الكتب وعالموها؟
وأين آثارها ورسومها؟
وأما ما جاء في فضل علي أمير المؤمنين - عليه السلام - فأحاديثه لا تحصى، وآثاره لا تستقصى.
Page 28
1 - فمن طريق المخالفين ما ذكره صاحب ثاقب المناقب (1): عن محمد ابن عمر الواقدي (2) قال: كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرفة، فقعد ذات يوم وحضره الشافعي (3)، وكان هاشميا يقعد إلى جنبه، وحضر محمد ابن الحسن وأبو يوسف فقعدا بين يديه، وغص المجلس بأهله فيهم سبعون رجلا من أهل العلم كل منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع.
قال الواقدي: فدخلت في آخر الناس، فقال الرشيد: لم تأخرت؟ فقلت: ما كان لإضاعة حق ولكني شغلت بشغل عاقني عما أحببت.
قال: فقربني حتى أجلسني بين يديه وقد خاض الناس في كل فن من العلم.
فقال الرشيد للشافعي: يا بن عمي كم تروي في فضائل علي بن أبي طالب؟
فقال: أربعمائة حديث وأكثر، فقال له: قل ولا تخف، قال: تبلغ خمسمائة وتزيد.
ثم قال لمحمد بن الحسن: كم تروي يا كوفي من فضائله؟ قال: ألف حديث أو أكثر.
فأقبل على أبي يوسف فقال: كم تروي أنت يا كوفي من فضائله؟ أخبرني ولا تخش، قال: يا أمير المؤمنين لولا الخوف لكانت روايتنا في فضائله أكثر من أن تحصى، قال: مم تخاف؟ قال: منك ومن عمالك وأصحابك، قال: أنت آمن، فتكلم وأخبرني: كم فضيلة تروي فيه؟ قال: خمسة عشر ألف خبر مسند،
Page 29
وخمسة عشر ألف حديث مرسل.
قال الواقدي: فأقبل علي فقال: ما تعرف في ذلك؟ فقلت مثل مقالة أبي يوسف.
قال الرشيد: لكني أعرف له فضيلة رأيتها بعيني، وسمعتها باذني أجل من كل فضيلة تروونها أنتم، وإني لتائب إلى الله تعالى مما كان مني من أمر الطالبية ونسلهم. فقلنا بأجمعنا: وفق الله أمير المؤمنين وأصلحه إن رأيت أن تخبرنا بما عندك، قال، وذكر الفضيلة. (1) وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في تمام الحديث الرابع والتسعين وثلاثمائة من معاجزه - عليه السلام -.
2 - وحكى ابن شهرآشوب (2) في المناقب عن السيد المرتضى: أنه قال: سمعت شيخا مقدما في الرواية من أصحاب الحديث يقال له أبو حفص عمر ابن شاهين (3) يقول: إني جمعت من فضائل علي - عليه السلام - خاصة ألف خبر.
3 - وعن ابن عباس من طريق الفريقين: عن النبي - صلى الله عليه وآله - يقول:
لو أن الغياض أقلام، والبحار (4) مداد، والجن حساب، والانس كتاب لما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. (5)
Page 30
4 - وذكر الشيخ الحسين بن جبير حين صنف منتخب المناقب في فضل أهل البيت - عليهم السلام - كان يحضره ألف مصنف في ذلك.
5 - وقال محمد بن علي بن شهرآشوب: قال جدي شهرآشوب (1):
سمعت أبا المعالي الجويني (2) يتعجب ويقول: شاهدت مجلدا ببغداد في يدي صحاف فيه روايات خبر غدير خم (3) مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله " من كنت مولاه فعلي مولاه " (4)، ويتلوه في المجلدة التاسعة والعشرون.
وحكي ابن طاووس في طرائفه هذه الحكاية عن شهرآشوب.
وأما مسألة إمامة الأئمة الاثني عشر - عليهم السلام - فقد صنف فيها علماؤنا المتقدمون ومشايخنا المتأخرون، وصنفوا في دلائلهم ومعاجزهم مما هو مذكور في فهارس الرجال مما هو مشهور بينهم ومعلوم عندهم، وأنا أذكر هنا بعضا من ذلك ممن صنف في ذلك من علمائنا المتقدمين من أصحاب الدراية والرواية من أصحاب الأئمة - عليهم السلام - ومعاشريهم ومن يقرب منهم من الصدر الأول من علمائنا:
(1) كتاب الإمامة الكبير للشيخ الثقة إبراهيم بن محمد بن سعيد ابن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي، أصله كوفي، كان زيديا أولا، ثم
Page 31