الْحَمد لله حق حَمده وَصلى الله على مُحَمَّد خير خلقه وعَلى اصحابه واهل بَيته
لما رَأَيْت حَاجَة من يتفقه ماسة الى معرفَة مَا يعْتَرض بِهِ من الادلة وَمَا يُجَاب بِهِ عَن الاعتراضات وَوجدت مَا عملت من الملخص فِي الجدل مَبْسُوطا صنفت هَذِه الْمُقدمَة لتَكون مَعُونَة للمبتدئين وَتَذْكِرَة للمنتهيين مجزية فِي الجدل كَافِيَة لاهل النّظر وقدمت على ذَلِك بَابا فِي بَيَان الادلة ليَكُون مَا بعده من الاعتراضات والاجوبة على ترتيبه
وَمَا توفيقي الا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل واياه أسأَل أَن ينفع بِهِ فِي الدُّنْيَا والاخرة انه قريب مُجيب ﷺ َ - بَاب بَيَان وُجُوه ادلة الشَّرْع ﷺ َ -
وادلة الشَّرْع ثَلَاثَة اصل ومعقول اصل واستصحاب حَال
فالاصل ثَلَاثَة الْكتاب وَالسّنة والاجماع واضاف اليه الشَّافِعِي
1 / 26
﵀ فِي الْقَدِيم قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة فَجعله اربعة
فاما الْكتاب فدلالته ثَلَاثَة النَّص وَالظَّاهِر والعموم
فالنص هُوَ اللَّفْظ الَّذِي لَا يحْتَمل الا معنى وَاحِد كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة﴾ ﴿وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ وَمَا اشبه ذَلِك مِمَّا لَا يحْتَمل الا معنى وَاحِدًا
وَحكمه ان يُصَار اليه وَلَا يتْرك الا بِنَصّ يُعَارضهُ
وَالظَّاهِر كل لفظ احْتمل امرين وَهُوَ فِي احدهما اظهر
وَهُوَ ضَرْبَان ظَاهر بِوَضْع اللُّغَة كالامر يحْتَمل الايجاب وَيحْتَمل النوب إِلَّا انه فِي الايجاب اظهر وكالنهي يحْتَمل التَّحْرِيم وَيحْتَمل الْكَرَاهَة والتنزيه الا انه فِي التَّحْرِيم اظهر وكسائر الالفاظ المحتملة لمعنيين وَهُوَ فِي احدهما اظهر
1 / 27
وَحكمه ان يحمل على اظهر الْمَعْنيين وَلَا يحمل على غَيره الا بِدَلِيل
وَظَاهر بِوَضْع الشَّرْع كالاسماء المنقولة من اللُّغَة الى الشَّرْع كَالصَّلَاةِ فِي اللُّغَة اسْم للدُّعَاء وَفِي الشَّرْع اسْم لهَذِهِ الافعال الْمَعْرُوفَة وَالْحج فِي اللُّغَة اسْم للقصد وَفِي الشَّرْع اسْم لهَذِهِ الافعال الْمَعْرُوفَة وَغير ذَلِك من الاسماء المنقولة من اللُّغَة الى الشَّرْع
وَحكمه ان يحمل على مَا نقل اليه فِي الشَّرْع وَلَا يحمل على غَيره الا بِدَلِيل
وَمن اصحابنا من قَالَ لَيْسَ فِي الاسماء شَيْء مَنْقُول بل الصَّلَاة هِيَ الدُّعَاء وَالْحج هُوَ الْقَصْد وانما هَذِه الافعال زيادات اضيفت اليهاوليست مِنْهَا كَمَا اضيفت الطَّهَارَة الى الصَّلَاة وَلَيْسَت مِنْهَا فعلى هَذَا تحمل هَذِه الالفاظ على موضوعها فِي اللُّغَة وَلَا تحمل على غَيره الا بِدَلِيل
والعموم كل لفظ عَم شَيْئَيْنِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدا على وَجه وَاحِد لَا مزية لاحدهما على الاخر
والفاظه اربعة اسماء الجموع كالمسلمين وَالْمُشْرِكين والابرار والفجار
1 / 28
وَالِاسْم الْمُفْرد اذا عرف بالالف وَاللَّام كَالرّجلِ وَالْمَرْأَة وَالْمُسلم والمشرك
وَمن اصحابنا من قَالَ لَيْسَ هَذَا من الفاظ الْعُمُوم
والاول اصح
والاسماء المبهمة ك من فِيمَن يعقل وَمَا فِي مَا لَا يعقل وَأي فِي الْجَمِيع وَحَيْثُ وَأَيْنَ فِي الْمَكَان وَمَتى فِي الزَّمَان
وَالنَّفْي فِي النكرات كَقَوْلِه ﵇
لَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَمَا رَأَيْت رجلا وَمَا اشبهه
فَحكم هَذِه الالفاظ ان تحمل على الْعُمُوم وَلَا يخص مِنْهُ شَيْء الا بِدَلِيل
واما السّنة فدلالتها ثَلَاثَة قَول وَفعل واقرار
فَالْقَوْل على ضَرْبَيْنِ مُبْتَدأ وخارج على سَبَب
فالمبتدأ يَنْقَسِم الى مَا يَنْقَسِم اليه الْكتاب من النَّص وَالظَّاهِر والعموم
1 / 29
فالنص كَقَوْلِه ﵇ فِي اربعين شَاة شَاة وَمَا أشبهه // أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزَّكَاة
فَحكمه ان يُصَار اليه وَلَا يتْرك الا بِنَصّ يُعَارضهُ
وَالظَّاهِر كَقَوْلِه ﵇ حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ فَيحمل // أخرجه أَبُو داودد فِي كتاب الطَّهَارَة على الْوُجُوب وَلَا يصرف الى الِاسْتِحْبَاب الا بِدَلِيل
والعموم كَقَوْلِه ﵇ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ فَيحمل على الْعُمُوم // أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء وَلَا يخص الا بِدَلِيل
وَالْخَارِج على سَبَب ضَرْبَان مُسْتَقل دون السَّبَب كَمَا رُوِيَ انه قيل لَهُ ﵇ انك تتوضأ من بِئْر بضَاعَة وانما يطْرَح فِيهَا دم المحايض وَلُحُوم الْكلاب وَمَا يُنجي النَّاس فَقَالَ ﵇ المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء
فَحكمه حكم القَوْل والمبتدأ
1 / 30
وَمن اصحابنا من قَالَ يقصر على السَّبَب الَّذِي ورد فِيهِ وَلَيْسَ بِشَيْء // أخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيره
وَضرب لَا يسْتَقلّ دون السَّبَب كَمَا رُوِيَ ان اعرابيا قَالَ لَهُ جامعت فِي شهر رَمَضَان بِالنَّهَارِ فَقَالَ اعْتِقْ رَقَبَة فَيصير قَول الرَّسُول مَعَ السَّبَب كالجملة // أخرجه البُخَارِيّ وَغَيره الْوَاحِدَة كَأَنَّهُ قَالَ ﵇ اذا جامعت فاعتق
واما الْفِعْل فضربان
احدهما مَا فعله على غير وَجه الْقرْبَة فَهُوَ كالمشي والاكل وَغَيرهمَا فَيدل على الْجَوَاز
وَالثَّانِي مَا فعله على وَجه الْقرْبَة فَهُوَ على ثَلَاثَة اضراب
احدها ان يكون امتثالا لامر فَتعْتَبر بذلك الامر ان كَانَ وَاجِبا فَهُوَ وَاجِب وان كَانَ ندبا فَهُوَ ندب
وَالثَّانِي ان يكون بَيَانا لمجمل فَتعْتَبر بالمبين ان كَانَ وَاجِبا فَهُوَ وَاجِب وان كَانَ ندبا فَهُوَ ندب
1 / 31
وَالثَّالِث ان يكون مُبْتَدأ فَفِيهِ ثَلَاثَة اوجه
احدهما انه يَقْتَضِي الْوُجُوب وَلَا يصرف الى غَيره الا بِدَلِيل
وَالثَّانِي انه يَقْتَضِي النّدب وَلَا يصرف الى غَيره الا بِدَلِيل
وَالثَّالِث انه على الْوَقْف فَلَا يحمل على وَاحِد مِنْهُمَا الا بِدَلِيل
واما الاقرار فضربان
احدهما ان يسمع قولا فَيقر عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ انه سمع رجلا يَقُول الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا ان قتل قَتَلْتُمُوهُ وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على غيظ ام كَيفَ يصنع // أخرجه البُخَارِيّ فِي اللّعان
فَحكمه حكم قَوْله ﵇ وَقد بَيناهُ
وَالثَّانِي ان يرى رجلا يفعل فعلا فيقره عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ انه رأى
1 / 32
أَي الرَّاوِي قيس بن فَهد يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر بعد الصُّبْح // أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره
فَحكمه حكم فعله وَقد بَيناهُ
واما الاجماع فَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة فَذَلِك ضَرْبَان
احدهما مَا ثَبت بقول جَمِيعهم كاجماعهم على جَوَاز البيع وَالشَّرِكَة وَالْمُضَاربَة وَغير ذَلِك من الاحكام
فَحكمه ان يُصَار اليه وَيعْمل بِهِ وَلَا يجوز تَركه بِحَال
وَالثَّانِي مَا ثَبت بقول بَعضهم اَوْ فعله وسكوت البَاقِينَ مَعَ انتشار ذَلِك فيهم
1 / 33
فَذَلِك حجَّة وَهل يُسمى اجماعا فِيهِ وَجْهَان
وَقَالَ ابو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة ان كَانَ ذَلِك حكما من امام اَوْ قَاض لم يكن حجَّة وان كَانَ فتيا من فَقِيه فَهُوَ حجَّة
والاول اصح
واما قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة اذا لم ينتشر فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْجَدِيد لَيْسَ بِحجَّة فعلى هَذَا لَا يحْتَج بِهِ وَلَكِن يرجح بِهِ
وَقَالَ بعض اصحابنا يحْتَج بِهِ مَعَ قِيَاس ضَعِيف وَلَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ فِي الْقَدِيم هُوَ حجَّة فعلى هَذَا يحْتَج بِهِ وَيقدم على الْقيَاس وَهل يخص بِهِ الْعُمُوم فِيهِ وَجْهَان
1 / 34
واما ادلة الْمَعْقُول فَثَلَاثَة فحوى الْخطاب وَدَلِيل الْخطاب وَمعنى الْخطاب
فاما فحوى الْخطاب فَهُوَ ان ينص على الاعلى وينبه على الادنى اَوْ ينص على الادنى فينبه على الاعلى وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك﴾ وَنَهْيه عَن التَّضْحِيَة بالعوراء وَنبهَ بِهِ على العمياء // أخرجه مَالك وَغَيره
فَحكم هَذَا حكم النَّص
واما دَلِيل الْخطاب فَهُوَ ان يعلق الحكم على اُحْدُ وصفي الشَّيْء كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ﴾ وَقَوله ﵇
1 / 35
فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة فَدلَّ على ان غير الْحَامِل لَا نَفَقَة لَهَا وَغير السَّائِمَة لَا زَكَاة فِيهَا
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بن سُرَيج لَا يدل على حكم مَا عدا الْمَذْكُور
وَالْمذهب الاول
فاما معنى الْخطاب فَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ حمل فرع على اصل بعلة جَامِعَة بَينهمَا واجراء حكم الاصل على الْفَرْع
وَهُوَ ضَرْبَان
احدهما قِيَاس الْعلَّة وَهُوَ ان يحمل الْفَرْع على الاصل بِالْمَعْنَى
1 / 36
الَّذِي يتَعَلَّق الحكم بِهِ فِي الشَّرْع وَذَلِكَ مثل قِيَاس النَّبِيذ على الْخمر بعلة انه شراب فِيهِ شدَّة مطربة وَقِيَاس الارز على الْبر بعلة انه مطعوم جنس
وَالثَّانِي قِيَاس الدّلَالَة وَهُوَ ثَلَاثَة اضْرِب
احدها ان يسْتَدلّ بخصيصة من خَصَائِص الشَّيْء عَلَيْهِ
كَقَوْلِنَا فِي سُجُود التِّلَاوَة انه لَا يجب لانه سُجُود يجوز فعله على الرَّاحِلَة فِي غير عذر فاشبه سُجُود النَّفْل وان جَوَاز فعله على الرَّاحِلَة من خَصَائِص النَّوَافِل فيستدل بِهِ على انه نفل
وَالثَّانِي ان يسْتَدلّ بالنظير على النظير
كَقَوْلِنَا فِي الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي ان من وَجب الْعشْر فِي زرعه وَجب ربع الْعشْر فِي مَاله كَالْبَالِغِ
1 / 37
وكقولنا فِي ظِهَار الذِّمِّيّ من صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره كَالْمُسلمِ وان الْعشْر نَظِير ربع الْعشْر وَالظِّهَار نَظِير الطَّلَاق فَيدل احدهما على الاخر
وَالثَّالِث ان يسْتَدلّ بِضَرْب من الشّبَه مثل ان يَقُول فِي ايجاب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء انه عبَادَة يُبْطِلهَا النّوم فَوَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيب كَالصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَان
من اصحابنا من قَالَ انه دَلِيل
وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِدَلِيل وانما يرجح بِهِ غَيره وَهُوَ الاصح
1 / 38
فصل فِي اسْتِصْحَاب الْحَال
واما اسْتِصْحَاب الْحَال فضربان
اسْتِصْحَاب حَال الْعقل فِي بَرَاءَة الذِّمَّة كَقَوْلِنَا فِي اسقاط دِيَة الْمُسلم اذا قتل فِي دَار الْحَرْب اَوْ فِي اسقاط مَا زَاد على ثلث الدِّيَة فِي قتل الْيَهُودِيّ ان الاصل بَرَاءَة الذِّمَّة وفراغ الساحة وَطَرِيق اشتغالها بِالشَّرْعِ وَلم نجد فِي الشَّرْع مَا يدل على الِاشْتِغَال فِي قتل الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب وَلَا على الِاشْتِغَال فِيمَا زَاد على الثُّلُث فِي قتل الْيَهُود فَبَقيَ على الاصل
فَهَذَا دَلِيل يفزع اليه الْمُجْتَهد عِنْد عدم الادلة
وَالثَّانِي اسْتِصْحَاب حَال الاجماع وَذَلِكَ مثل ان يَقُول فِي الْمُتَيَمم اذا رأى المَاء فِي صلَاته انه يمْضِي فِي صلَاته انْعَقَدت بالاجماع فَلَا يَزُول عَن ذَلِك الا بِدَلِيل
فَهَذَا فِيهِ وَجْهَان
من اصحابنا من قَالَ هُوَ دَلِيل
وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِدَلِيل وَهُوَ الاصح
1 / 39
ﷺ َ - بَاب وُجُوه الْكَلَام على الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب ﷺ َ -
وَذَلِكَ من ثَمَانِيَة اوجه
احدهما ان يسْتَدلّ مِنْهُ بطرِيق من الاصول لَا يَقُول بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي اسقاط الْمُتْعَة للمدخول بهَا بقوله تَعَالَى ﴿لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن﴾ فَشرط فِي ايجاب الْمُتْعَة ان لَا يكون قد مَسهَا
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا اسْتِدْلَال بِدَلِيل الْخطاب وانت لَا تَقول بِهِ
فَالْجَوَاب ان يَقُول ان هَذَا بِلَفْظ الشَّرْط لانه قَالَ ﴿إِن طلّقْتُم النِّسَاء﴾ وان من امهات حُرُوف الشَّرْط وانا اقول بِدَلِيل الْخطاب اذا كَانَ بِلَفْظ الشَّرْط
اَوْ يَقُول ان هَذَا من مسَائِل الاصول وانا مِمَّن يَقُول بِهِ
وَالثَّانِي ان لَا يَقُول بِهِ فِي الْموضع الَّذِي تنَاوله
كاستدلال الْحَنَفِيّ فِي شَهَادَة اهل الذِّمَّة بقوله تَعَالَى ﴿أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ﴾ أَي من اهل ملتكم
1 / 40
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا كَانَ فِي قصَّة بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وعندك لَا تقبل شَهَادَة اهل الذِّمَّة على الْمُسلمين
وتكلف بَعضهم الْجَواب عَنهُ فَقَالَ انه لما قبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين دلّ على ان شَهَادَتهم على الْكفَّار اولى بِالْقبُولِ ثمَّ دلّ الدَّلِيل على ان شَهَادَتهم لَا تقبل على الْمُسلمين فَبَقيَ فِي حق الْكفَّار على مَا اقْتَضَاهُ
فَقَالَ الامام ﵀ هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لانه تعلق بفحوى الْخطاب وَقد ذكر ان الْخطاب قد ارْتَفع فَكيف يبْقى حكم فحواه
والاعتراض الثَّانِي ان يَقُول بموجبها وَذَلِكَ على ضَرْبَيْنِ
احدهما ان يحْتَج من الْآيَة بِأحد الوضعين فَيَقُول السَّائِل بِمُوجبِه بَان يحملهُ على الْوَضع الاخر
كاستدلال الْحَنَفِيّ فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا بقوله تَعَالَى ﴿وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم﴾ وَالْمرَاد لَا تطؤوا مَا وطىء آباؤكم
1 / 41
فَيَقُول الشَّافِعِي النِّكَاح فِي الشَّرْع هُوَ العقد فَيكون مَعْنَاهُ لَا تتزوجوا من تزوج بهَا آباؤكم
وَالْجَوَاب ان تسلك طَريقَة من يَقُول ان الاسماء غير منقولة وان الْخطاب بلغَة الْعَرَب وَالنِّكَاح فِي عرف اللُّغَة هُوَ الْوَطْء
وَالضَّرْب الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه فِي الْموضع الَّذِي احْتج بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي الْعَفو عَن الْقصاص الى الدِّيَة من غير رضى الْجَانِي بقوله ﴿فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ﴾ وَالْعَفو هُوَ الصفح وَالتّرْك
فَيَقُول الْحَنَفِيّ بل الْعَفو هَا هُنَا هُوَ الْبَذْل وَمَعْنَاهُ اذا بذل الْجَانِي للْوَلِيّ الدِّيَة اتبع الْمَعْرُوف
وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن
احدهما ان يبين ان الْعَفو فِي الصفح وَالتّرْك اظهر فِي اللُّغَة
وَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الاية اَوْ غَيره على ان المُرَاد بِهِ الصفح
والاعتراض الثَّالِث ان يدعى اجمال الاية اما فِي الشَّرْع واما فِي اللُّغَة
فاما فِي الشَّرْع فَمثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي نِيَّة صَوْم رَمَضَان بقوله تَعَالَى ﴿فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه﴾ وَهَذَا قد صَامَ
1 / 42
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لَان المُرَاد صَوْم شَرْعِي وَنحن لَا نسلم ان هَذَا صَوْم شَرْعِي
وَالْجَوَاب عَنهُ ان يبين ان الْخطاب بلغَة الْعَرَب ويسلك طَريقَة من يَقُول لَيْسَ فِي الاسماء شَيْء مَنْقُول وَالصَّوْم فِي اللُّغَة هُوَ الامساك فَوَجَبَ ان يجزىء كل امساك الا مَا خصّه الدَّلِيل
واما فِي اللُّغَة فَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ان الاحرام بِالْحَجِّ لَا يَصح فِي غير اشهره بقوله تَعَالَى ﴿الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق﴾
فَيَقُول الْمُخَالف هَذَا مُجمل لَان الْحَج لَيْسَ باشهر فَلَا بُد فِي معرفَة المُرَاد مِنْهُ من اضمار وَيجوز ان يكون مَعْنَاهُ وَقت احرام الْحَج اشهر مَعْلُومَات وَيجوز ان يكون مَعْنَاهُ وَقت افعال الْحَج اشهر مَعْلُومَات فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِ
وَالْجَوَاب ان يبين بِالدَّلِيلِ ان المُرَاد بِهِ وَقت احرام الْحَج لَان الافعال لَا تفْتَقر الى اشهر ولانه قَالَ ﴿فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث﴾ وَالْفَرْض هُوَ الاحرام
والاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيل
كاستدلال الشَّافِعِي فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي بقوله تَعَالَى ﴿فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ﴾
1 / 43
فَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا اليه لما صَحَّ العضل
فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا حجَّة لنا لانه قَالَ ﴿أَن ينكحن﴾ فاضاف النِّكَاح اليهن فَدلَّ على ان لَهُنَّ ان يعقدن
وَالْجَوَاب ان يسْقط دَلِيل السَّائِل ليسلم لَهُ مَا تعلق بِهِ
والاعتراض الْخَامِس اخْتِلَاف الْقِرَاءَة
وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ايجاب الْوضُوء من اللَّمْس بقوله تَعَالَى ﴿أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا﴾
فَيَقُول الْمُخَالف قد قرىء ﴿أَو لامستم﴾ وَهَذَا يَقْتَضِي الْجِمَاع
وَالْجَوَاب ان يَقُول القراءتان كالايتين فيستعملهما
والاعتراض السَّادِس النّسخ وَهُوَ من ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يفصل النّسخ صَرِيحًا كاستدلال الشَّافِعِي فِي ايجاب الْفِدْيَة على الْحَامِل بقوله تَعَالَى ﴿وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة﴾
1 / 44
فَيَقُول الْحَنَفِيّ قد قَالَ سَلمَة بن الاكوع انها مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى ﴿فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه﴾
وَالْجَوَاب ان يبين انها نسخت الا فِي الْحَامِل والمرضع
وَالثَّانِي ان يدعى نسخهَا بِآيَة مُتَأَخِّرَة مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي الْمَنّ وَالْفِدَاء بقوله تَعَالَى ﴿فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء﴾
فَيَقُول الْحَنَفِيّ قد نسخ بقوله تَعَالَى ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْركين﴾ لانها مُتَأَخِّرَة
وَالْجَوَاب ان يجمع بَين الايتين فيستعمل كل وَاحِدَة فِي مَوضِع واذا امكن الْجمع لم يجز دَعْوَى النّسخ
وَالثَّالِث ان يدعى نسخهَا بِأَن ذَلِك شرع من قبلنَا كاستدلال الشَّافِعِي فِي وجوب الْقصاص فِي الطّرف بَين الرجل وَالْمَرْأَة بقوله تَعَالَى ﴿والجروح قصاص﴾
1 / 45