Macna Hayat Muqaddima Qasira
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
يتسم الفلاسفة بعادة مثيرة للحنق، وهي تحليل الأسئلة بدلا من الإجابة عنها، وهذه هي الطريقة التي أود أن أبدأ بها.
1
هل سؤال «ما معنى الحياة؟» سؤال حقيقي، أم أنه يبدو كذلك فقط؟ هل يوجد ما يمكن اعتباره إجابة له، أم أنه حقا نوع من الأسئلة الزائفة، على غرار السؤال الأسطوري الذي يرد في اختبارات أكسفورد الذي يفترض أن يكون نصه ببساطة «هل هذا سؤال جيد؟»
للوهلة الأولى، يبدو سؤال «ما معنى الحياة؟» شبيها بذلك النوع من الأسئلة على غرار «ما عاصمة ألبانيا؟» أو «ما لون العاج؟» ولكن هل هو كذلك حقا؟ هل يمكن أن يكون أقرب إلى سؤال «ما مذاق الهندسة؟»
ثمة سبب قياسي إلى حد ما يفسر لم يعتبر بعض المفكرين السؤال الخاص بمعنى الحياة عديم المعنى في حد ذاته. إنها قضية أن المعنى هو مسألة لغة، وليس مسألة أشياء؛ إنها مسألة الأسلوب الذي نتحدث به عن الأشياء، وليست سمة من سمات للأشياء في حد ذاتها، مثل الملمس أو الوزن أو اللون . فنبات الكرنب أو جهاز رسم القلب ليس لهما معنى في حد ذاتهما؛ ويصبحان هكذا فقط من خلال وجودهما في حديثنا. وبناء على هذه النظرية، يمكننا أن نضفي على حياتنا معنى من خلال حديثنا عنها؛ ولكن لا يمكن أن يكون لها معنى في حد ذاتها، شأنها شأن سحابة في السماء. فلن يكون منطقيا - على سبيل المثال - أن تتحدث عن سحابة باعتبارها إما حقيقية أو مزيفة. فالحقيقة والزيف هما في الواقع وظائف لافتراضاتنا البشرية عن السحب. لكن ثمة مشكلات تكتنف هذه الحجة، كما هو الحال مع معظم الحجج الفلسفية. وسوف ندرس بعضها لاحقا.
لنلق نظرة مختصرة على تساؤل أكثر إلحاحا من سؤال «ما معنى الحياة؟» لعل السؤال الأكثر جوهرية الذي يمكن أن يثار هو «لم يوجد أي شيء على الإطلاق بدلا من لا شيء؟» لماذا يوجد أي شيء يمكننا أن نتساءل «ما الذي يعنيه؟» من الأساس؟ ينقسم الفلاسفة فيما بينهم بشأن ما إذا كان هذا السؤال حقيقيا أم زائفا، وإن كان علماء اللاهوت لا يواجهون أي انقسام في هذا الشأن في معظم الأحيان. فالإجابة عن هذا التساؤل بالنسبة لمعظم علماء اللاهوت هي «الإله». فيقال: إن الإله هو «خالق» الكون، ليس لأنه يعد أقرب لكونه صانعا خارقا، ولكن لكونه السبب في وجود شيء بدلا من العدم. فهو - بحسب قولهم - أساس الوجود. وهذه الحقيقة ستظل سارية بشأنه حتى لو لم يكن للكون بداية. وسيظل السبب في وجود شيء بدلا من لا شيء حتى لو كان هناك شيء منذ الأزل.
إن سؤال «لم يوجد أي شيء بدلا من عدم وجود شيء؟» يمكن ترجمته بشكل تقريبي إلى «كيف نشأ الكون؟» ويمكن اعتبار ذلك سؤالا عن السببية؛ وفي تلك الحالة كان سؤال «كيف نشأ؟» ليعني «من أين نشأ؟» ولكن ذلك بالتأكيد ليس ما يعنيه السؤال. ولو أننا حاولنا الإجابة عن السؤال بالحديث عن كيفية بدء الكون في المقام الأول، فإن تلك الأسباب حتما تمثل جزءا من كل شيء، وبذلك نعود إلى حيث بدأنا. ولا يمكن سوى لسبب واحد فقط لم يكن جزءا من كل شيء - وهو سبب يسمو فوق الكون، كما هو من المفترض مع الإله - أن يتجنب الاستدراج إلى نطاق الجدل بهذه الطريقة. ومن ثم، فإن هذا في الواقع ليس سؤالا عن كيفية نشأة العالم، وكذلك ليس سؤالا عن سبب وجود الكون - على الأقل بالنسبة لعلماء اللاهوت - إذ إن العالم في رأيهم ليس هدفا له على الإطلاق. فالإله ليس مهندسا سماويا خلق العالم وفي ذهنه هدف محسوب استراتيجيا. إنه فنان قام بخلق العالم لمتعته الذاتية الخاصة وحسب، ومن أجل المتعة الذاتية لعملية الخلق في حد ذاتها. وهكذا، يصبح مفهوما لماذا يعتبر الكثيرون أن الإله لديه شيء من حس الدعابة الملتوي.
إن السؤال «لم يوجد أي شيء بدلا من لا شيء؟» هو بالأحرى تعبير عن الدهشة من وجود عالم من الأساس، في حين أنه كان يمكن ألا يكون هناك أي شيء ببساطة. ولعل ذلك جزء مما كان يدور في ذهن لودفيج فيتجنشتاين حين أشار إلى أن «الغموض لا يكمن في كيفية نشأة العالم، ولكن يكمن في وجوده أصلا.»
2
قد يدعي أحدهم أن تلك هي نسخة فيتجنشتاين مما يطلق عليه الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر «الكينونة» أو مسألة الوجود. إن سؤال «كيف نشأ الوجود؟» هو السؤال الذي يريد هايدجر العودة إليه. فهو ليس مهتما بكيفية نشأة كيانات محددة بقدر اهتمامه بالحقيقة المثيرة للعقل المتمثلة في وجود كيانات في المقام الأول. وهذه الأمور مفتوحة الآن لإدراكنا واستيعابنا، مثلما لم تكن مفتوحة بسهولة من قبل.
Unknown page