أجل، رأيتني باتباعي شيخ المعرة أصبحت لا دنيا ولا دين ولا آخرة، وهذا عجيب.
يدعو الرجل إلى تطليق الدنيا ولا يرتجي غيرها، فكيف يكون هذا؟ ما رأيت فلسفة بلا غاية إلا فلسفة المعري، فقام في ذهني إذ ذاك، أن الرجل ساخط، متبرم، متشائم، يهجو الأنام، لا أكثر ولا أقل، لا يرى الجمال فيفتنه سحره، ويلطف مرارة عيشه، فاتبع «العقل»، والعقل يهدي ولكنه هاد زميت، جاف العشرة.
ظننت أن الإكسير الذي يحلي مرارة العيش ليس في متناول يد المعري، أخفق في طلب الدنيا لأنه غير مستطيع، فانطوى على نفسه في عقر بيته واستدار يفح فحيحا راعبا.
انزوى كالخلد يقرض جذور التعاليم لييبس ما غرسه السلف، وصب على الدنيا وبنيها زيت سخطه المغلي، فشواها بناره وكبريته. كنت أظن أن نسك أبي العلاء لا يراد منه الثواب، ولكنه فعل ما فعله ديوجين حين داس كبرياء أرسطو بكبرياء أكبر منها ...
يخيب بعضنا في الحياة، فيهرع إلى الدير. فإن كان رجلا خطب ود مريم وحل هذا الزواج الصوفي محل الزواج الآخر، وتسامى صاحبه إلى المثل الأعلى، فخدم البشرية خدمات جلى. وإن كان أنثى، كان عريسها يسوع القائل: «من لا يترك من أجلي أبا أو أخا أو أما فهو لا يستحقني.» فحبا بالعريس المرجى تقف حول سرير المريض، وتحنو على اللقيط، وتعطف على اليتيم.
أما نسك شيخنا - رحمات الله عليه - فيسفر في ظاهره عن سخط أشبه بالقذف؛ فهو يذم الأمهات والأخوات بأردأ النعوت والألقاب، يخاف عليهن حتى من أقرب الناس. ما قصر عن الحطيئة في شيء، بل ما خلته إلا مثله حين قرأت قوله:
بدء السعادة أن لم تخلق امرأة
فهل تود جمادى أنها رجب؟
ولم تتب لاختيار كان منتجبا
لكنك العود إذ يلحى وينتجب
Unknown page