ثم استجاش آل كاسترو فردينان الثاني ليحمي ابن أخيه، فساقه الطمع إلى أن يبعث جيشا يثخن في قشتالة ويحتل حصونها ومدنها، ولكنه لم يستطع أن ينتزع الطفل من أيدي بني لارا، وثارت قشتالة بجملتها تؤيد هذه الأسرة لوجود الملك عندها، فقاومت صاحب لاون وأبناء كاسترو معا، وردت غزوات ملك النافار وأمراء المسلمين.
ولما بلغ ألفنس النبيل الحادية عشرة 1166م بويع بالملك، يشد أزره القشتاليون وأبناء لارا؛ فرد غارات عمه، وطرد أسرة كاسترو، فأخذت تلجأ حينا إلى الموحدين، وحينا إلى لاون حتى توفي فردينان الثاني 1188م، وصار الملك إلى ولده ألفنس التاسع، ولم يكن كفؤا لابن عمه صاحب قشتالة؛ فكف عن النزاع.
وكان ألفنس الثاني ملك أرغون - وهو سبط راميرو أخي ألفنس المحارب - قد رأى أن يحالف قشتالة ويعترف بحقوقها لكي ينصرف إلى محاربة المسلمين، ودفع النافاريين عن الأراضي التي يفتتحها من الأندلس لئلا يستولوا عليها، أما ألفنس التاسع ملك لاون، وشانجه السابع ملك النافار، فكانا يؤثران محالفة المسلمين على محالفة ألفنس الثامن النبيل؛ لأنهما لا يريدان الاعتراف له بالسلطان، غير أن الخطر الذي بات يهددهم من قبل الموحدين أكرههم على السكوت؛ فكانوا يتهادنون أو يتحالفون إلى حين.
وشاء ألفنس الثامن أن يحمل على عاتقه عبء هذا الخطر المخيف، مع ما كان يعانيه من مكايد آل كاسترو والأمراء المسيحيين؛ فراح يغزو الأندلس، يعيث في بسائطها، وينيخ على قواعدها، حتى أخذته نشوة الظفر وهو يسير من نصر إلى نصر؛ فحدثته نفسه بأن يتحدى خليفة الموحدين، فيدعوه إلى الحرب مستهينا به، مثيرا حفيظته.
ويقول ابن أبي زرع في روض القرطاس: إن ألفنس النبيل كتب هذه الرسالة إلى الخليفة يعقوب المنصور وبعث بها إلى مراكش:
بسم الله الرحمن الرحيم، من ملك النصرانية إلى أمير الحنيفية، أما بعد؛ فإن كنت عجزت عن الحركة إلينا، وتثاقلت عن الوصول والوفود علينا، فوجه لي المراكب والشواني أجوز فيها بجيوشي إليك حتى أقاتلك في أعز البلاد عليك، فإن هزمتني فهدية جاءتك إلى يدك، فتكون ملك الدينين، وإن كان الظهور لي، كنت ملك الملتين، والسلام.
وروى ابن الأثير وابن خلكان رسالة قريبة من هذه، وأكثر تفصيلا، وعلق ابن خلكان عليها بقوله: «إن نص هذه الرسالة كتب مثله الأذفونش بن فردكند (ألفنس السادس بن فردينان) إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين.» ومهما يكن من شيء فإن الرسالتين لا تختلفان في المعنى وفي طريقة الاستفزاز، فلما وصل الكتاب إلى الخليفة المنصور، تلظى غيظا من صلف الملك الإسباني واستخفافه المهين؛ فأمر ولده وولي عهده السيد محمدا بالرد عليه، فكتب على ظهره الآية:
ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ، ثم أضاف إليها:
2
الجواب ما ترى لا ما تسمع:
Unknown page