64
إني في طريقي لتبديد ثلاثة أشهر من عمري ... هل أعمل؟ ولكن كيف أعمل بدون صوتك الذي يشجعني وينصحني، بدون حضورك الذي يقويني؟! ولمن أستطيع أن أبوح بما في نفسي بحرية؟! ستقولين لي: عليك أن تكتب لي، لكنك تعلمين جيدا أن الكتابة غير التحدث، وأن قراءة رسالة ليست هي الاستماع إلى صوت، ثم إنك تعلمين جيدا أنني كثيرا ما لا أقول شيئا وإنما أتناول يدك وأضع رأسي على كتفك ... ثلاثة أشهر ... ثلاثة أشهر ... فترة رهيبة. لقد استيقظت على ظلمة لا تطاق؛ وكان لا بد لي من أن أكتب لك لكي تتبدد هذه الظلمة. أترين، كيف أنك ضيائي حاضرة كنت أم غائبة؟!
ومع ذلك كان في الصباح قد كتب مقالا عنيفا ضد الإنجليز الذين كانوا يطالبون مصر بعدة ملايين من الجنيهات لتعويض موظفيهم.
وفي اليوم التالي، يسعد بلقاء أستاذ جامعي يوناني في منزل الشيخ مصطفى عبد الرازق؛ وإذ سر هذا الصديق الجديد أن يعلم أن طه قد ترجم أرسطو، طلب إليه نسختين من الكتاب: إحداهما لجامعة أثينا، والأخرى للتعليق عليها في الصحافة اليونانية. وأراد أن يهديه طبعة محققة من «توسيديد
Thucydide ».
ويقص علي بكثير من التهكم وقائع إحدى جلسات الجمعية الملكية الجديدة للدراسات التاريخية. إذ لم يكن بالطبع على اتفاق مع اتجاهات الأكثرية:
يجب الاهتمام حصرا بمصر الإسلامية، أما ما تبقى من العالم فلا يهمنا. لا تهمنا مصر الفرعونية أو الهيلينية أو الرومانية ... هل نحن مستقلون؟ نعم أم لا؟
65
وكنت أفور غضبا.
66
Unknown page