كانت هذه النضارة عذبة بالنسبة إليه خلال الغم العظيم الذي ألم به آنذاك؛ فقد توفيت أمه العجوز بعد أن نامت خلال يومين لم تستيقظ بعدهما. كانت مقبرة المنيا فيما وراء النيل، وكان الطريق إليها رديئا، ومشى طه وقتا طويلا تحت أشعة شمس لاهبة، وصافح آلاف الأيدي.
عندما كنت في المنيا في شهر نوفمبر من العام الماضي؛ حيث ذهبت للمشاركة في الاحتفال الذي أقيم في محافظته تخليدا لذكراه، أردت الذهاب لزيارة قبر أبويه، ورغبت السير هناك، أنا الأخرى، والاقتراب من هذا الصخر القاسي العاري الذي ينتصب عموديا في النيل في هذا الموضع الذي يتسم بشدة الاتساع والزرقة، لكني لم أستطع، فنحن دوما سجناء المواعيد والبرامج والضرورات المستقلة عن إرادتنا.
وقد حكى لي صهري أنه خلال الجنازة قام نزاع حول أرض المقبرة؛ فقد كانت مقابر العائلة في مكان تتسرب إليه المياه، وكانت عائلة الأم تريد أن تدفن حماتي في مدفن جديد كانوا قد بنوه، في حين كان الآخرون يرفضون؛ فقال طه: «حسنا، سأشتري منكم هذا المدفن الجديد.» لعائلة الأم (فيصير بذلك لعائلة الأب)، وتدفن الوالدة فيه (كما تريد عائلة الأم) وينتهي الإشكال! وقد كان.
وأضاف صهري: «هكذا كان الدكتور طه يحسم المشاكل ويتغلب على المصاعب خلال دقيقتين.»
وقد ذكرني بالأستاذ «دوبوا ريشار
Dubois-Richard »
248
الذي كان يقول لي عندما كان طه وزيرا:
آه! أين هو الزمن الذي كان يرأس فيه مجالس الكليات! ففي أقل من ساعة كان يحل كل شيء ... على أفضل نحو ...
ومحمد الزيات هو الذي قص علي أيضا كيف أمكن إرسال طالب لدراسة اللغة العبرية في القدس قبل حرب فلسطين؛ كانت لوائح البعثات تنص على عدم إرسال بعثة إلا للبلدان المحددة لهذا الغرض مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ولم تكن فلسطين من بين هذه البلدان، فاعترض رجال البعثات على ذهاب المبعوث الشاب إلى الجامعة العبرية.
Unknown page