ثم أخذ يساعدني على تنظيف الصندوق مما عليه من الرمال، ونزعنا عنه غطاءه فوجدنا فيه مجموعة من الجلود الرقيقة وقد دب إليها شيء من الفساد، وكان عليها خط بقلم غريب يميل لونه إلى السواد. فنظر صاحبي إلي وقال: إنها لقية ثمينة!
فقلت له: حقا إنها كذلك، ولا شك في أن لهذا الصندوق شأنا مع هذا المقيم في الحفرة إلى جانبه.
وأشرت إلى الحفرة التي دفنت فيها بقية العظام. وقضينا الليلة التالية في حديث متشعب عن هذه الإنسانية القديمة التي كانت منذ ألوف السنين كما هي اليوم تضطرب ولا تعرف السلام. ولما عدنا إلى القاهرة كان أول همنا أن نذهب إلى صاحب لنا من علماء الآثار ليساعدنا على كشف السر الذي تنطوي عليه الكتابة الغريبة.
وقضى هذا العالم حينا في فك تلك الكتابة حتى نسيت أمرها أو كدت أنساه، لولا أن جاء صاحبي إلي ذات مساء وهو يلوح في وجهي بلفة من الأوراق قائلا: ألا تذكر رحلة سيناء؟ لقد أتم صاحبنا فحصه واستطاع أن يفك رموز الكتابة الغريبة. «كانت الجلود كلها مكتوبة بالخط الشعبي الذي كانوا يكتبون به في دواوين مصر القديمة في عصر الإمبراطورية.»
فتذكرت رحلة الصحراء والصندوق والجلود البالية المنقوشة بالخط الغريب، وسألته: وما هذه الأوراق في يدك؟
فقال: هي ترجمة عربية فصيحة.
وجلس إلى جانبي وفتح الأوراق وأخذ يقرأ: «أنا شاءول بن شمويل بن شمعون، من عشيرة اللاويين سادة إسرائيل ...»
ثم رفع وجهه إلي قال باسما: أليس هذا اسما جميلا؟
وكان شوقي إلى سماع الترجمة عظيما، فقلت في لهفة: هذه الشينات لا تعجبني، ولكن استمر ...
فاستمر يقرأ: «كنت بمصر مع قومي، وكنا في أرض جاشان مهد أبي وجدي، وكنت في أول الأمر صاحب خاتم الأمير «راحا ترع»، ولكني عزلت من خدمته عقب الحوادث المشئومة التي جرها النزاع الدموي بين الكهنة وبين «أخناتون»، فطردت من خدمتي؛ لأنني مثل سائر قومي آمنا بالإله آتون، الإله الواحد الذي تدين له الخلائق جميعا، آتون الذي يشرف على الكون من سمائه ويحييه بأنواره ذات الأسرار العميقة.
Unknown page