أو تهزموا نفارق
فراق غير وامق!
ودنا جيش الفرس يسير على تعبئة وفق النظام، ومعه الأفيال، ووقف الجانبان متقابلين، وخرج أسوار فارسي يتحدى العرب للبراز، فلم يلبث طويلا حتى انبرى له فارس عربي طعنه فدق صلبه، فاغتاظ الهامرز وخرج بنفسه يدعو إلى البراز، فانبرى له فارس عربي هو الحوفزان، فألقاه صريعا.
وكان ذلك مما شجع العرب وفت في أعضاد الفرس، حتى أن بعض العرب الذين كانوا في الجانب الفارسي هزهم الحنين إلى قومهم، فعزموا أن يضموا صفوفهم إلى صفوفهم، وتذكر بنو إياد، وكانوا مع الجيش الكسروي، قول شاعرهم:
على رغم سابور بن سابور أصبحت
قباب إياد حولها الخيل والنعم
والإياديون كثيرا ما أذاقوا المملكة الفارسية بأسهم، وكثيرا ما ذاقوا منها العذاب، قبل أن تجندوا لها جنودا مرتزقة، فبعثوا إلى البكريين يقولون: أي أحب إليكم، أن نلحق بكم الساعة أم أن ننتظر اشتداد المعركة فننتقل إلى جانبكم؟ فأجابهم البكريون: بل أحب إلينا أن تنتقلوا في غمار المعركة، فإنه أشد ضعضعة ودهشة للعدو.
والتحم الفريقان، ولحق بنو إياد ببني بكر في عنفوان المعركة، ولم يستطع الفرس أن يجاروا العرب في سرعة التفرق والتجمع، مع رشاقة الضربة وشدتها، فذاقوا أول هزيمة أنزلها بهم العرب، وكان ذلك حافزا أيقظ ثقة العرب بأنفسهم وجرأهم وهيأهم لساعة قريبة أعدها لهم التاريخ وأعدهم لها، والتاريخ يزن الإرادات ويعتبرها، ولكن له، بالنتيجة، إرادته الخاصة، والبرهان أن يوم ذي قار كان مفاجأة للفرس، كما كان مفاجأة للعرب، وغير يسير أن نحكم أي المفاجأتين كانت أشد وأعظم!
قال الراوي: وكان العرب عامة، والنصارى خاصة، ناقمين على الكسروية الفارسية لما أنزله بهم سابور الثاني الملقب بذي الأكتاف، وكان مما فعله هذا الملك أن ضاعف الجزية السنوية على النصارى، فلما وقع يوم ذي قار، خرجت الصبايا النصرانيات العربيات في أكمل زينة فرحا بالانتصار الرائع.
ولم يمض وقت حتى كان محمد بن عبد الله يذكر ذا قار ويقول: «هو أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا».
Unknown page