وَمَعَ هَذَا فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن ...
فَإِن قيل تَقْسِيم الْإِرَادَة لَا يعرف فِي حَقنا بل إِن الْأَمر مِنْهُ بالشَّيْء إِمَّا أَن يُريدهُ أَو لَا يُريدهُ وَأما الْفرق بَين الْإِرَادَة والمحبة فقد يعرف فِي حَقنا.
فَيُقَال: وَهَذَا هُوَ الْوَاجِب فَإِن الله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء١، وَلَيْسَ أمره لنا كأمر الْوَاحِد منا لعَبْدِهِ وخدمه، وَذَلِكَ أَن الْوَاحِد منا إِذا أَمر عَبده فإمَّا أَن يَأْمُرهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ أَو إِلَى الْمَأْمُور بِهِ أَو لِحَاجَتِهِ إِلَى الْأَمر فَقَط ... وَالله تَعَالَى لم يَأْمر عباده لِحَاجَتِهِ إِلَى أحد مِنْهُم وَلَا هُوَ مُحْتَاج إِلَى أَمرهم وَإِنَّمَا أمَرَهم إحسانًا مِنْهُ ونعمة أنعم بهَا عَلَيْهِم فَأَمرهمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحهمْ ونهاهم عَمَّا فِيهِ فسادهم،
وإرسال الرُّسُل وإنزال الْكتب من أعظم نعمه على خلقه كَمَا قَالَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ٢ وَقَالَ تَعَالَى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِم﴾ ٣ وَقَالَ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ ٤ فَمن أنعم الله عَلَيْهِ مَعَ الْأَمر بالامتثال فقد تمت النِّعْمَة فِي حَقه كَمَا قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ ٥ وَهَؤُلَاء هم الْمُؤْمِنُونَ.
وَمن لم ينعم عَلَيْهِ بالامتثال بل خذله حَتَّى كفر وَعصى فقد شقي لما بدل نعْمَة الله كفرا كَمَا قَالَ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ ٦