4
ولذلك يعد مؤسس «فلسفة القانون».
جاء بعده «توماس هوبز» وكان مما كتبه «رسالة في الجبر والاختيار» بحث فيها أبحاثا أخلاقية، وأبحاثا فيما وراء المادة، وقرر فيها أن الإنسان - كسائر المخلوقات - مجبور خاضع للقدر، وبعبارة أخرى لإرادة الله، وأن المصلحة أو الفائدة الشخصية أعلى قاض يفصل في الأخلاق وفي أي شيء آخر، وقد طبق نظرياته هذه على السياسة، فعنده أن نظام الطبيعة نظام حرب عام، كل يحارب كلا ليبقى، «والحق» «للقوة». ولمحافظة الإنسان على نفسه، ووضع حد لهذا النزاع، وتلطيف نظام الطبيعة بالاجتماع؛ تعاقد الناس فيما بينهم نوع تعاقد على إنشاء «حكومة»، وليس القصد منها إلا حماية حياة الأفراد وملكيتهم، فيجب على الأفراد أن يعدوا إرادة الحكومة أسمى قانون، ولا تستطيع الحكومة الوصول إلى تحقيق غرضها إلا بخضوع الرعية خضوعا تاما، ومن أجل هذا يعد «هوبز» مؤسس نظرية «العقد».
وذهب «مونتسكيو» في كتابيه: (عظمة الرومان وانحطاطهم)، و(روح القانون) إلى أن الظواهر السياسية - كسائر الظواهر الطبيعية - خاضعة لقوانين لا تتغير، قال «كومت»: «إن مونتسكيو كان يرى أن الأبحاث والأعمال الاجتماعية مبنية على قوانين طبيعية، على حين أن غيره من كبار الرجال كانوا يرون أن في استطاعة المشرعين أن يعدلوا نظام الحكومة كما يريدون، وأن عندهم على ذلك قدرة مطلقة غير محدودة متى أعانتهم السلطة على ذلك.» ووافق «جان جاك روسو» في كتابه (العقد الاجتماعي) ما ذهب إليه «هوبز» من أن الحكومة نتيجة تعاقد الناس فيما بينهم.
هوامش
الفصل التاسع
مجمل تاريخ الفلسفة أو تاريخ ترقي الفلسفة
ليس من غرضنا في هذا الكتاب أن نذكر قضايا الفلسفة في شكل تاريخ، وإنما غرضنا أن نقدم للقارئ المهذب معلومات عامة عن أصول الفلسفة وقضاياها، وإنا لا نبعد عن الغرض إذا نحن زدنا تاريخا إجماليا يوضح الرقي التدريجي لقضايا الفلسفة من زمن الفلاسفة الأيونيين إلى القرن العشرين بعد الميلاد، وسيكون هذا التاريخ الإجمالي مختصرا جهد الطاقة فلا نتعرض لتفاصيل المسائل الفلسفية التي ناقشها وبحث فيها كثير من المفكرين، وإنما سنستعرض بالإجمال المميزات الخاصة للعصور المختلفة، ونعين الروح الغالبة عليها، وإنه لمن المستحيل أن نبين بالتفصيل كل النظم والآراء الفلسفية، بل ولا ما هم منها، ولا أن نسرد كل المذاهب ومؤسسيها؛ فإن الموضوع واسع الأطراف، ومسائله في غاية التعقيد، حتى إن محاولة تفصيلها تفوت الغرض من هذا التاريخ الإجمالي، وهو أن نقدم للقارئ صورة عامة عن نظام الفلسفة، مع ما في ذلك الموضوع من سعة تحير الألباب، ولا يصح أن يقارن تاريخ الفلسفة بغيره من تواريخ العلوم الأخرى لسببين:
أولهما:
أن مدار البحث في العلوم الأخرى محدود، فلا تعترض صعوبات غير عادية في تتبع الرقي التدريجي، وكذلك بناء العلم على بعض القواعد الأساسية واضح في كل العلوم، وليس كذلك الشأن في الفلسفة؛ فقضاياها - على كثرتها - متنوعة، وليس موضوعها واحدا في كل العصور، ومما يزيد الأمر صعوبة أن كل مفكر يأتي لا يبني على ما وصل إليه من سبقه، بل يبتدئ في حل قضيته من جديد كأن لم تكن قبله نظم ولا وضع قبله أساس (انظر فندلبند صفحة 9).
Unknown page