وحكام الولايات معزولون بالرغم من استقلالهم وملومون ومحزونون بسبب تمنيهم الظلم، وكل نفقات جديرة بقبول عمال الديوان يصدر الأمر بقبولها من الدولة ويجرى المستوفون (محصلو الضرائب) وكتاب البلاط الحساب، ومع أن قبضة السيطرة للحكام حادة، فإن أسنان الطمع باردة بسبب عبوس وتكشير المحاسبين، فأى حاكم فى أى ولاية لا يجرؤ على أخذ دينار عدا المقاولة والأجر الديوانى، وفى جميع الولايات لا يستطع أن يقسو ظلم القوى على المظلوم الضعيف ومع أن الهمة الملكية مقضية ومصروفة على ازدهار ورونق الدين والدولة، وأن اليد الناثرة للجوهر رهينة ومقيدة بانتظام الملك والأمة، فإن دفع الخزائن الكسروية فى بداية الحرب والنزاع مع روسيا لانتظام [ص 130] المهام المتعلقة والمرتبطة بأمر الغزو والجهاد، ومع أن ثروة الحكومة لم تكن مقيدة لغير ولاية أذربيچان، فقد أنفق فى مدة العامين الخزائن والكنوز الدقيانوسية «1» من أجل جيش الدولة الخالدة الاتصال، حتى جلس على ظهر جواد الفلك المتبختر، وقد عقد الحزام على مقاسات حرب الروس، فلسنوات عديدة، سواء فى الصيف أو فى الشتاء، لم يسحب قدمه عن الركاب ويده عن العنان ولم يكن يسترح لحظة، وكان مشغولا بالحرب والقتال فى الأيام الحارة والأجواء الباردة، وفى فتنة الحرب والمعركة كان يتخيل شربة الموت المرة ألذ من العسل ولم يكن يتضايق من الروح الحلوة، وقد ساوى اللذة الدنيوية والعزة الكسروية وكان أحيانا مع الجيش البطل فى آران «2» وأحيانا فى كنجه وشيروان وسط دخان المدافع والبنادق، وكان يعطف عنان جواد السماء الأشهب المتبختر فى صحراء موغان الحارة- التى هى نموذج لساحة النيران- فى قلب حرارة تموز الأكثر حرارة من قلب جمر الشتاء وصدر الكانون «3» وذلك لمجرد مراقبة ورعاية مصلحة الإسلام، وفى كمال ثورة البرد- الذى من شدة برودة الشتاء ترتعد السمكة من مياهه كما يرتعد حيوان السمندر من النار «4»، وكان يتوقف موكب دليل الظفر على ساحل أردبيل وهى نموذج لكرة الزمهرير والجليد، وبسبب كمال الغيرة والحمية ومراعاة حماية ورعاية العجزة والملهوفين فى هذه الولاية صرف النظر عن المسكن والمأوى القديم والمسعود بتقبيل عتبة السماء المقتدرة لكسرى صاحب عرش جمشيد، وقد صار الخادمة والمربى لعذارى هذه الولاية كالأم والأخت، فدخلن فى كنف حمايته وظل رأفته وقد أمر بتحديد مكان إقامة ساكنى حجاب الحرم من العراق إلى أذربيچان وذلك ليكونوا مشاركين قصور ومعسكرات نساء المسلمين. ومع أنه كان يعين المشاة والفرسان من جيش كسرى صاحب العالم الجرار من العراق وفارس وكرمان ومازندران وخراسان لحراسة هذا الإقليم وكان يقدم لوازم الحرب والمعركة وكان يضيع الخزائن الملكية، لكنه عند الحرب والجهاد لم يكن يراعى ويستخدم قانون المسلمين السالفين [ص 131]، ولم يكن أمر الحرب مهيأ وجاهزا على الوجه المرغوب، وقد أمر النواب نائب السلطنة بالملاحظة والدقة فى النظر بأن حرب الفرنچة على النظام نفسه الذى أشار إليه الله الحميد فى القرآن المجيد، وقد فقد جيش إيران النظام القديم من يديه، وقد حصل الأعداء على القاعدة والنظام نفسيهما.
52 - بناء العسكرية الحديثة:
وكيفية هذه المقدمة كذلك: عندما هاجر قمر البطحاء [النبى صلى الله عليه وسلم] من مكة المكرمة، وجعل ساحة المدينة المنورة سماء ثانية من أنوار طلعته، ورفع علم النبوة وراية الدين على الخلق فى العالم وقد كان أذكياء الصحابة ينضمون إلى خدمته واحد تلو الآخر وكانوا يعقدون حزام الاجتهاد فى الغزو والجهاد. ونظام الحرب فى الإسلام هو فى الأية الكريمة التى نصها: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص «1». كان قد وضع على أسلوب هو أنهم كانوا يخيطون ذيل الغيرة الواحد فى الآخر، وكانوا يحرقون بيدر العدو بشعلة السيف، وكانوا يجعلون الاصطفاف للحرب على قاعدة ونظام الاصطفاف للصلاة، وبسبب ثباتهم ورسوخهم فى ميدان الحرب كان الحمار الوحشى يضع دمع الحسرة على قلبه، وبسبب نظامهم واستمرارهم كان اتحاد وهيكل منازل القمر ونظمه تسقط من نظر المشاهدين.
Page 167