قالوا: وقد كان اشتهر من الجود والكرم بما لم يشتهر به عربي، ولا عجمي في عصره، وروايته في قدومه على المهدي بن المنصور مشهورة حذفتها هاهنا اختصارا، وأما سبب قيامه فإن موسى الملقب بالهادي لما ولي استخلف على المدينة رجلا من ولد عمر بن الخطاب، فأساء المعاملة لمن فيها من الطالبيين، وطالبهم بالعرض في كل يوم، وأخذ كل منهم بكفالة قريبه ونسيبه، وجرى في ذلك خطب جسيم خلاصته: أن الطالبيين هجموا على العمري داره بعد أن طلع مؤذنهم وقت الصبح المنارة، وأذن بحي على خير العمل، وصاح العمري: أغلقوا البغلة بالباب، وأطعموني على جبتي ماء، قال الراوي: فولده بالمدينة يعرفون ببني جبتي قال: ثم هرب من داره على وجهه حتى نجا وصلى الحسين بالناس صلاة الصبح، ثم خطب بعد الصلاة، وقال بعد حمد الله والثناء عليه: أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، في حرم رسول الله أدعوكم إلى سنة رسول الله، أيها الناس، تطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود تمسحون بذلك، وتدعون بضعة منه ثم استخلف على المدينة، وخرج قاصدا [له] إلى مكة بمن معه من أهله ومواليه وهم زهاء ثلاث مائة، فلما قربوا من مكة وصاروا بفخ بلغتهم جيوش المسودة، فعرض عليه العباس بن محمد الأمان، والعفو والصلة، فأبى ذلك أشد الإباء، وعن أبي العرجاء جمال موسى بن عيسى قال: لما وصلنا بستان بني عامر، قال لي : إذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه فتخبرني بكل ما رأيت قال: فمضيت ودرت فما رأيت خلالا ولا فلالا وما رأيت إلا مصليا ومبتهلا وناظرا في مصحف، ومعد السلاح، فجئت وقلت: ما أظن القوم إلا منتصرين علينا، فقال: كيف ذاك يا ابن الفاعلة؟ فأخبرته، فضرب يدا على يد فبكى حتى قلت: هو منصرف فقال: هم والله أكرم عند الله منا،[وأحق بما في أيدينا منا] ولكن الملك عقيم، والله لوأن صاحب القبر، يعني النبي ينازعنا الملك لضربنا خيشومه بالسيف، يا غلام، اضرب طبلك ثم سار إليهم فوالله ما انتهى حتى قتلهم، رواه في (الحدائق) قال: وكان أول من بدأ [منهم] بالقتال موسى بن عيسى، قال: فحملوا عليه فاستطرد لهم حتى أوغلوا في الوادي وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم، فطحنهم طحنة واحدة حتى قتل أكثر أصحاب الحسين، وجعلت المسودة تصيح بالحسين: يا حسين، لك الأمان، فيقول: الأمان أريد، فحمل عليهم فقتل، وقتل معه سليمان بن عبد الله بن الحسن وعبد الله بن إسحاق [والحسن بن إبراهيم بن عبد الله] و[إبراهيم بن الحسن] ولما قتل الحسين -عليه السلام- حمل رأسه إلى الهادي موسى، ودفنت جثته الكريمة بفخ، ومشهده هناك مشهور مزور، ولا عقب له، وقتل وهو في إحدى وأربعين سنة، وقبره بفخ عند بستان الديلمي في الزهراء، أمر المنصور عبد الله بن حمزة إلى السيد الحسين بن قتادة بن إدريس بعمارته فعمر عليه، وعلى الحسن بن محمد قبة حسنة سنة إحدى وستمائة سنة، ولبعضهم يرثي الحسين هذا وأصحابه:
فلأبكين على الحسي
ن بعولة وعلى الحسن
وعلى ابن عاتكة الذي
أثووه ليس بذي كفن
نزلوا بفخ غزوة
في غير منزلة الوطن
كانوا كراما فانقضوا
لا طائشين ولاجبن
غسلوا المذلة عنهم
غسل الثياب من الدرن
هدي العباد بجدهم
فلهم على الناس المنن
رواه الشيخ أبو الفرج الأصبهاني لعيسى بن عبد الله.
وروى عن بعضهم قال: رأيت في النوم رجلا ينشدني ويسألني أن أنشده هذه الأبيات فأنشدته إياها فقال: زد فيها:
قوم كرام سادة
من هم ومن هم ثم من
Page 314