Maathir Abrar
مآثر الأبرار
Genres
فقال: نعم، بينا أنا ذات يوم أدير نظري في هذه البرية، وأتفكر في عظمة الله وقدرته إذ رأيت طائرا أبيض مثل النعامة قد وقع على تلك الصخرة، وأومأ إلى صخرة بيضاء فتقيأ رأسا ثم رجلا، ثم ساقا فإذا هو كل ما تقيأ عضوا من تلك الأعضاء التأم بعضها إلى بعض أسرع من البرق الخاطف بقدرة الله سبحانه حتى استوى رجلا جالسا فإذا هم بالنهوض نقره الطائر نقرة فقطعه أعضاء ثم رجع يبتلعه، فلم يزل على ذلك أياما، فكثر والله تعجبي منه، وازددت يقينا، وعلمت أن لهذه الأجساد حياة بعد الموت، ولم يزل على ذلك أياما، والتفت إليه يوما.
فقلت: أيها الطائر، سألتك بالذي خلقك إلا أمسكت عنه حتى أساله، فيخبرني بقصته.
فأجابه الطائر بصوت عربي طليق : لربي الملك والبقاء، الذي يفنى كل شيء ويبقى، أنا ملك من ملائكة الله موكل بهذا الجسد لما أجرم، وأمرني الله عز وجل أن آتي هذا المكان، لتسأله وتخاطبه فيخبرك بما كان منه.
فقلت: يا هذا الرجل المسيء إلى نفسه، ما قصتك؟ ومن أنت؟ فقال : أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب فإني لما قتلته، وسارت روحي بين يدي الله، ناولني صحيفة، فيها مكتوب ما عملت من الخير والشر، منذ ولدت إلى أن قتلت عليا، فأمر الله هذا الملك يعذبني إلى يوم القيامة فهو يفعل بي ما قد رأيت، ثم سكت فنقره الطائر [نقرة] فتفرقت أعضائه، ثم ابتلعه عضوا عضوا.
فلما فرغ منه قال: يا آدمي، إني ماض عنك بهذا الجسد إلى جزيرة من البحر الأسود، التي تخرج منها هوام أهل النار إلى يوم القيامة.
Page 245