200

Ma'arij al-Qubool bi Sharh Sullam al-Wusool

معارج القبول بشرح سلم الوصول

Investigator

عمر بن محمود أبو عمر

Publisher

دار ابن القيم

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

Publisher Location

الدمام

Genres

هُوَ "العلي" المتصف بجمع مَعَانِي الْعُلُوِّ ذَاتًا وَقَهْرًا وَشَأْنًا "فِي دُنُوِّهِ" فَيَدْنُو تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَ، وَيَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِفَوْقِيَّتِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ وَلَا صِفَاتِهِ وَلَا أَفْعَالِهِ وَمَعِيَّتُهُ الْعَامَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ مَعْنَاهَا إِحَاطَتُهُ بِهِمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ السِّيَاقِ وَآخِرُهُ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا مَعِيَّتُهُ الْخَاصَّةُ لِأَحْبَابِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فَتِلْكَ غَيْرُ الْمَعِيَّةِ الْعَامَّةِ، فَهُوَ مَعَهُمْ بِالْإِعَانَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَجْفُو عِبَارَةُ الْمَخْلُوقِ عَنْهُ، وَيَقْصُرُ تَعْرِيفُهُ دُونَهُ، وَكَفَاكَ قَوْلُ اللَّهِ ﷿ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ نَبِيُّهُ ﷺ إِذْ يَقُولُ: "وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا" ١. وفي بعض الرواية "وَقَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ"٢ وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَوَارِحَ لِلْعَبْدِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ مَنِ اجْتَهَدَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ ﷿ بِالْفَرَائِضِ ثُمَّ بِالنَّوَافِلِ قَرَّبَهُ إِلَيْهِ وَرَقَّاهُ مِنْ دَرَجَةِ الْإِيمَانِ إِلَى دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ فَيَصِيرُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ، كأنه يراه فيمتلىء قَلْبُهُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَخَوْفِهِ وَمَهَابَتِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ هَذَا الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ مُشَاهَدًا لَهُ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ ﷺ بِقَوْلِهِ: "أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ"٣ فَمَتَى امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحَا ذَلِكَ مِنَ الْقَلْبِ كُلَّ مَا سِوَاهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَلَا إِرَادَةٌ إِلَّا لِمَا يُرِيدُ مِنْهُ مَوْلَاهُ. فَحِينَئِذٍ لَا يَنْطِقُ الْعَبْدُ إِلَّا بِذِكْرِهِ وَلَا يَتَحَرَّكُ إِلَّا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ بِاللَّهِ، وَإِنْ سَمِعَ سَمِعَ بِهِ، وَإِنْ نَظَرَ نَظَرَ بِهِ، وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَزَّ

١ البخاري "١١/ ٣٤٠" في الرقاق، باب التواضع. ٢ هي من رواية عائشة ﵂ وحديثها انظر تخريجه وكلام الأئمة عليه في السلسلة الصحيحة للعلامة الألباني "ح١٦٣٨". ٣ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة "٢/ ٥٢٥" مرسلا من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مرفوعا فسنده ضعيف.

1 / 206