نعم، هي كالواسطة بين القُوى العاديَّة المشهورة وبين الخوارق؛ فهي من قبيل السِّحر وأعمال الجنِّ الزائدة على الوسوسة ونحوها.
والذي ظهر لي أنَّ هذا النَّوع ليس صاحبه يخلَّى وشأنه، يستعمله كيف يشاء، كما في القُوى العاديَّة، كالضَّرب والشتم، بل هو مقيَّدٌ بإذن خاصٍّ من الله ﷿. أو على الإذن الذي نصَّ عليه تعالى بقوله: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢]. وهو غير مستلزمٍ الإذن الشَّرعي، كما لا يخفى.
فالسَّاحر لا يستطيع أن يضرَّ بسِحره كلَّ أحدٍ، كما لا يستطيع الإنسان أن يضرب من شاء بحسب الإذن العام؛ بل لمن يقدر على الضَّرب عادةً إذنٌ خَلْقيٌّ عامٌّ، أن يضرب متى شاء؛ فإذا أراد الله ﷿ منْعَه منَعَه، كقول الله ﷿ لنار إبراهيم: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٩]. والسَّاحر على خلاف ذلك.
فالضَّارب مطلقٌ، يقيِّده الله ﷿ إذا شاء، والساحر مقيَّدٌ، يطلقه الله ﷿، فتدبَّر وأنْعِم النَّظر. والله أعلم.
وقد حكوا أنَّ عالمًا رأى من شيخٍ ما يخالف الشَّريعة، فأنكر عليه فتصرَّف الشيخ، فنسي العالم علمه كلَّه، فتاب وتضرَّع إلى الشيخ، فأمره بذبح دِيكٍ عيَّنه له، وأن يأكل قلبه، ففعل، فعاد علمه كلُّه، فقال له الشيخ: كيف تُدِلُّ بعلمٍ وسِعَهُ قلبُ ديكٍ؟!
أقول: إن صحَّت القصَّة فكان فرض ذلك العالم أن يستمرَّ على إنكاره،