بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ: حَمْدًا لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، الْعَزِيزِ الصَّمَدِ الرَّحْمَنِ، الَّذِي جَعَلَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ بِتَوْحِيدِهِ مِنْ عَذَابِهِ فِي أَمَانٍ، وَلَمْ يَرْضَ لِعِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ الْكُفْرَ، وَرَضِيَ لَهُمُ الإِسْلامَ دِينًا، وَزَيَّنَهُمْ بِحُلَى الإِيمَانِ، وَلَمْ يَجْعَلْ حَظَّهُمْ مِنْهُ الْحُصُولَ عَلَى الْخُسْرَانِ وَالْحِرْمَانِ، وَالصَّلاةُ عَلَى جَوْهَرَةِ الشَّرَفِ الْيَتِيمَةِ الَّذِي تَحَلَّى بِجُودِهَا جَيِّدُ الزَّمَانِ، مُحَمَّدٌ نَبِيُّهُ وَخَلِيلُهُ وَصَفِيُّهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ الَّذِي شَرُفَ زَمَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الأَزْمَانِ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِصْمَتِهِ فِي ذِمَّةٍ وَضَمَانٍ، وَخَصَّهُ بِنَهْرِ الْكَوْثَرِ الَّذِي مِسَاحَتُهُ مِنْ بُصْرَى إِلَى عُمَانَ، الَّذِي جِبَالُهُ الْمِسْكُ، وَحَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ الْمُدَحْرَجِ كَالْجُمَانِ،

1 / 11

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، الَّذِينَ بَلَغُوا رَايَاتِ الْمَلَوَانِ بِإِيمَانٍ، وَالسَّلامُ الطَّيِّبُ عَلَيْهِ، وَالتَّحِيَّةُ الْمُبَارَكَةُ كَصَبَا الْحَذِيَّةِ فِي نُعْمَانٍ، أَوْ كُلَّمَا قَالَ الشُّعَرَاءُ فِي وَصْفِ خَامَاتِ الزَّرْعِ وَشَقَائِقِ النُّعْمَانِ. فَإِنِّي ذَاكِرٌ فِي هَذَا الْجُزْءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا جَاءَ فِي اشْتِقَاقِ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَمَا لاحَ مِنْ فَضْلِ صِيَامِهِ وَبَانَ. وَفِيهِ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي النِّصْفِ مِنْهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَحْفُوفِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ وَعُبَّادِ الصُّلْبَانِ وَالأَوْثَانِ، وَجَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي إِعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَلا وَانِ.

1 / 12

حَدَّثَنِي الْمُسْنِدُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ سِبْطُ أَبِي عَلِيٍّ الْحُسَيْنِ وَأَنَا حَاضِرٌ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا اللُّغَوِيُّ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمُطَرِّزُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ ثَعْلَبٌ قَالَ: وَكَانَ شَعْبَانُ شَهْرًا تَتَشَعَّبُ فِيهِ الْقَبَائِلُ، أَيْ: تَتَفَرَّقُ لِقَصْدِ الْمُلُوكِ وَالْتِمَاسِ الْعَطِيَّةِ، وَيَقُولُونَ: شَعْبَانَاتٌ وَشَعَابِينُ وَأَمَّا فَضْلُهُ الثَّابِتُ عَنْ سَيِّدِ الْبَرِيَّةِ فَهُوَ مَا: أنا بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي مَنْزِلِهِ بِمَدِينَةِ فَاسَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَفِيهَا مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ

1 / 13

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَلبُونَ، ثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، ثنا أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَمُّ أَبِي أَبُو مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبِي الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: عَرَضْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» . هَذَا حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: أنا مَالِكٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

1 / 14

عَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، وَاللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَلَى لَفْظِ بْنِ يَحْيَى. وَأَبُو النَّضْرِ: اسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، أَحَدُ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ كَاتِبًا لِمَوْلاهُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ، رَأَى مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى وَالسَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، وَجَمَاعَةً مِنَ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلاثِينَ وَمِائَةٍ قُلْتُ: وَسَمِعْتُ الإِمَامَ فَقِيهَ الْعَارِفِينَ أَبَا الْفُتُوحِ الْعِجْلِيَّ يَقُولُ:

1 / 15