Ma Bacd Hadatha Muqaddima Qasira
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
رغم ذلك، أشار البعض إلى أن صور كروجر تقع في حد ذاتها فريسة لتناقضاتها (وفقا لعدد من وجهات النظر النسوية)؛ لأنها تتمتع بنفس جاذبية الإعلانات التي تقدم محاكاة ساخرة لها. ونتيجة لذلك، انتقدت الصور لفشلها في التمتع بتأثير سياسي كاف. أهي نقد للمشهد الاستهلاكي أم جزء منه؟ وعلاوة على ذلك، تعكس الصور نوعا من الإبداع الشكلي الحداثي العتيق؛ ومن ثم انتقدت كروجر على «الجمال التصويري» لأعمالها، فضلا عن عرضها لتلك الأعمال في معرض فني تجاري.
إن الخيارات المتاحة هنا كما اقترحت في السابق تنحصر في أحد أمرين: إما الاندماج في الخطابات المهيمنة ومحاولة تعديلها من الداخل، وإما قبول التهميش علنا ثم محاولة زحزحة الأطراف إلى أن تحتل موقع المركز.
شكل 4-12: «بلا عنوان (نظرتك ترتطم بجانب وجهي)» (1981)، لباربارا كروجر. (فن يحمل رسالة: إلى أي مدى تتسم نظرة الذكر بالعنف؟)
الفن والسياسة
تتمتع جميع الأعمال الفنية تقريبا التي ذكرتها بهذا الطابع المعارض النقدي الذي ركزت عليه فيما سبق، لكنها على ما يبدو احتاجت - وبالتأكيد التمست - دعم النقاد المؤسسي كي تحظى بأي اهتمام، وهو ما لاحظه كثيرون من بينهم بينجامين بوكلو:
إحدى وظائف النقد الأخرى حاليا هي دعم ونشر الوعي بتلك الممارسات الفنية المقاومة والمعارضة التي يطورها حاليا فنانون من خارج منظور السوق المهيمن والاهتمام المؤسسي.
بينجامين بوكلو، «نظريات حول الفن بعد التبسيطية والفن الشعبي»، من كتاب «مناقشات حول الثقافة المعاصرة» تحرير إتش فوستر، (1987)
لكن هذا وحده لن يكفي؛ فالعمل الفني بمفرده - سواء على الحائط أو في معرض فني أو حتى في الهواء الطلق كما في «فن الأرض» أو «فن الموقع» - لا يقدم فعليا مشاركة متميزة في الجدل السياسي (ومن ثم، لا يشكل حليفا جيدا حقا للنقاد). يرجع ذلك إلى أن الجدل - على عكس ما يروج له دعائيا - يتطلب طرفين قادرين على تقديم مبررات مفصلة وواضحة لمواقفهما لا طرفا واحدا، وما يحقق تقدما فعليا هو التفاوض حول أوجه النزاع لا الاكتفاء بإطلاق الشعارات المفاهيمية. وهكذا، قد يزعم المرء أن كروجر ظلت مرتبطة بالأولويات البرجوازية بقدر ما ظلت دعوتها مقتصرة في الواقع على التمكين الفردي، وأن ذلك الجزء من العمل الفني المقبول ثقافيا واجتماعيا - كما في أعمال هاكه - يكتفي فقط بتذكيرنا بوجود أشخاص صالحين وآخرين فاسدين - رغم أنه يبدو وكأنه «يخاطب» القضايا الأكبر مثل السيطرة السياسية والعدالة الاجتماعية - وأن بعضا من الفاسدين هم ذكور أو تجار فن، أو تجار عقارات، أو مديرو شركات ضخمة، أو تجار سلاح ... إلى آخره.
يعتمد هذا كله بالطبع على فكرتك عن الموقع الذي يحقق أكبر فائدة للجدل والنشاط السياسي. بالنسبة إلى بعض فناني ما بعد الحداثة ومنظريها (وبعض النسويين ممن يزعمون أن «الشخصي هو السياسي»)، يمكن تحقيق تلك الفائدة في «أي مكان». لكن الفنانين المنتمين للفن المرئي نادرا ما «يقدمون معلومات» إلى الناس عن السياسة عن طريق الإدلاء ب «تصريحات» سياسية (رغم أن بوسعهم ذلك)، وعادة ما يعبرون صراحة أو ضمنا عن أفكار بسيطة للغاية لمن اقتنعوا بها بالفعل، فأعمالهم لا تتسم على الإطلاق بالتعقيد الذي يبرز في هذا السياق حتى في الأعمال الجماعية الأشهر من الفن السياسي، التي تتميز بوجود حوار فعلي، مثل فيلم سبيلبرج «قائمة شيندلر». إذا كان العمل السياسي يعتمد على الإقناع البلاغي، فإن فنون ما بعد الحداثة المرئية قد عجزت على نحو لافت للنظر عن تقديم هذا الإقناع، باستثناء بعض الأحيان التي تحقق فيها هذا الإقناع نتيجة استخدام الأساليب الدعائية القديمة المستهلكة التي تقحم المعلومات في عقولنا من خلال وسائل أولية تعتمد على المحاكاة، حتى لو غلفتها السخرية من آن لآخر. لا يمل نقاد ما بعد الحداثة الماركسيون من إخبارنا بأن الفن الواقعي الذي يعبر عن موقف نقدي معين تجاه الواقع هو الأفضل في الإطار التقدمي الفعال؛ وذلك تحديدا لأن في وسعه تزويدنا إلى حد ما بالمعلومات إلى جانب محاولة إقناعنا. لكن تلك الأساليب المكشوفة - كما شهدنا من قبل - لا تحتكم إلى معايير ما بعد الحداثة فيما يخص آليات التصوير الفني في هذه الحقبة.
يعبر روبرت هيوز عن هذا الرأي بكلمات قوية لا تعرف المجاملات: «إن ما يغير الآراء السياسية فعليا هي الأحداث، والنقاشات، والصور الصحفية، والتليفزيون.» قد يتناول الفنانون «قضايا» العنصرية، والتحيز الجنسي، والإيدز، وغيرها من القضايا، لكن:
Unknown page