ولكن مقدم الفوز الذي بشر به طه حسين في مقاله عن السنهوري لا يتأخر.
لا تمر ثلاثة أشهر حتى يقبل في السادس عشر من ديسمبر 1934 عدد كبير من أساتذة كلية الآداب وطلابها مع الصباح الباكر على منزل طه حسين في حي الزمالك فرحين يهنئونه ويهنئون أنفسهم بقرار عودته إلى كلية الآداب وعودة الدكتور السنهوري معه إلى كلية الحقوق.
وعندما يصل طه حسين إلى أبواب الجامعة في ذلك الصباح يلقاه شباب شديد الفرح شديد الحماس، يحملونه على الأعناق حملا إلى مكتبه في الكلية الذي غاب عنه أمدا طويلا، وقد أحصى الطلاب أيام الإبعاد فإذا هي مدة قد جاوزت الألف يوم، سنتان وتسعة شهور وعدة أيام.
ويهتف الطلاب يريدون أن يخرج طه حسين إليهم ليروه في كليته فيفعل، وهو يسمع خطب خطبائهم ترحيبا به وقصيدتين لشاعرين منهم، ثم يبدأ حديثه إليهم وإنه ليحاول عبثا أن يكتم تأثره بما يحس به من وفاء الشباب وإخلاصهم وصدق محبتهم له وإكبارهم إياه، فيبدأ خطابه بقوله:
أصدقائي الأعزاء، الحمد لله الذي أتاح للأسرة الجامعية أن يجتمع شملها بعد الغربة. ولست شاعرا كهذين الشاعرين اللذين سمعت منهما الآن أجمل الشعر وأروعه - ويسكت قليلا ليضيف وهو يبتسم ابتسامته - وإن كان هذا الشعر يحتاج إلى النقد.
ويستأنف حديثه بعد أن يسكت ضحك المستمعين المغتبطين بعودة أستاذهم إليهم، ينقد ما يكتبون من الأدب وما ينشدون من الشعر فيقول: «لست شاعرا ولو كنت شاعرا لوصفت لكم وصفا صادقا العواطف التي كانت تملأ قلبي منذ أكثر من عامين، شوقا إلى الجامعة وإلى أهل الجامعة وحرم الجامعة، والعمل في الجامعة، ولقلت لكم، بصراحة وسذاجة أيضا إنني كنت أتجلد حين كنت بعيدا عن الجامعة، وقديما قال أبو ذؤيب:
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لا أتزعزع»
ويعود الأستاذ إلى دروسه وأبحاثه، وتمضي الشهور، فأما ديونه المادية فإنه يؤديها لأصحابها موفورة مشكورة، وأما دينه لله الذي أعانه بالصبر ووفقه للنصر، ودينه للوطن الذي أعطاه النور والعلم؛ فإنه سيقضي بقية العمر يحاول أن يؤديهما، ويبذل في ذلك أقصى ما يطيق من الجهد.
الأستاذ والعميد من جديد
Unknown page