وتسأل سوزان: «بالقبول طبعا؟»
طه حسين: «لا، بالاعتذار، لا أدري ماذا نقول عن السلام، نحن الذين فرضت علينا الحرب، المظلوم والمعتدى عليه يجب أن يحارب، إنه إن لم يحارب لرفع الظلم عن نفسه يكاد يكون شريكا في هذا الظلم ... ثم إن عنوان المؤتمر هو السلام والحضارة المسيحية، لماذا الحضارة المسيحية وليس الحضارة الإسلامية مع أن لفظ الإسلام نفسه مشتق من السلام؟!»
وتقول سوزان: «هذا كلام جميل، تقول هذا الكلام إذن في المؤتمر، إنه خطبة كاملة!»
الجمهورية
في فندق صغير في الطريق من روما إلى فلورنسا، في صباح التاسع عشر من يونيو عام 1953.
يجلس طه حسين وزوجته يتناولان الإفطار مبكرا، وأمتعتهما تنزل إلى سيارة صغيرة يسافران فيها من روما التي غادراها مساء أمس إلى مدينة فلورنسا، وكان طه حسين قد طلب أن تقدم له صحيفة الصباح مع هذا الإفطار المبكر.
والسيدة سوزان تلقي نظرة على الصحيفة فتقول: «لقد أعلنت الجمهورية في مصر، أعلنت الجمهورية أمس، الثامن عشر من يونيو 1953.»
ويقول طه حسين: «أعلنت الجمهورية!»
وترد سوزان : «هذا هو الخبر: القاهرة، في الثامن عشر من يونيو ...»
وطه حسين لم يعد يسمعها، إنه يفكر فيما بينه وبين نفسه: «ما أعظم الفرق بين حياتنا التي نحياها منذ اليوم وحياتنا التي كنا نحياها من قبل، والتي كان آباؤنا وأجدادنا يحيونها منذ الآلاف المؤلفة من السنين! المصريون القدماء كانوا يعبدون ملوكهم ويتخذونهم آلهة مقدسين، يرفعون إليهم الصلوات والقرابين، المصريون القدماء كانوا يخضعون للولاة والملوك الأجانب الذين كانوا يأتونهم من أقطار الأرض المختلفة، كانوا يعبدون قياصرة روما.
Unknown page