ويقول طالب من الحاضرين: «سيادة العميد، صحيح أن التعليم في الجامعات قد ضعف، ونحن نحتاج إلى نهضة جامعية حقيقية بعد الثورة، لقد كتبت كتابك «مستقبل الثقافة في مصر» ردا على تساؤل بعض زملائنا عن مستقبل الثقافة بعد معاهدة 1936 ودخول مصر في مرحلة الاستقلال، الآن وقد دخلت مصر مرحلة ما بعد الثورة، ما عسى أن يكون مستقبل جامعاتنا؟ ماذا يجب، في رأيك، أن تكون جامعاتنا عليه غدا؟»
ويرد طه حسين قائلا: «ماذا يجب أن تكون عليه جامعاتنا غدا؟» قبل أن نحاول أن نرد على هذا السؤال يجب أن نسأل سؤالا آخر وأن نجيب عليه، وهو: ماذا نريد أن نكون نحن غدا؟
أنريد أن نظل كما نحن، نلم بأطراف من المعرفة دون تعمق؟ أنريد أن نظل كما نحن خاطفين، نخطف العلم من هنا وهناك دون أن يكون مستقرا بيننا، متأصلا في نفوسنا، ودون أن نبرأ من هذه الغربة الغريبة المنكرة التي يجدها كل واحد منا حين يريد أن يتقن حقا فنا من فنون المعرفة؟
أنريد أن نظل كما نحن، ننتظر الخير الثقافي والعقلي والفني من الترجمة، ننقلها عن هذه اللغة أو تلك، ونسعى إليها في هذا الوطن الأجنبي أو ذاك، أم نريد أن نكون أصلاء في هذا كله، وأن نترجم، لا عن حاجة، بل عن ميل إلى الاستطلاع، وأن نترجم من الفرنسية، لا لأننا محتاجون إلى الترجمة، بل لأننا نحب أن نعرف ماذا يقول زملاؤنا الفرنسيون، ولأننا نحب أن يترجم الفرنسيون عنا وأن يعرفوا ماذا يقول زملاؤهم العرب، وقولوا مثل ذلك بالنسبة للإنجليز، والألمان، والأمريكيين، والإيطاليين، والروس، وما شئتم من الأمم الكبرى.
إن كنا نريد أن نظل كما نحن، فمستقبل الجامعة بسيط، وهو أن تظل حيث هي، كما نظل نحن كما نحن، أشبه بالضفادع في قاع فيه ماء ضئيل تتصايح، ويصح فينا قول الأخطل:
تنق بلا شيء شيوخ محارب
وما خلتها كانت تريش ولا تبري
ضفادع في ظلمات ليل تجاوبت
فدل عليها صوتها حية البحر
وأؤكد لكم أن حيات البحر كثيرة، وأنها تراقبنا، لا نريد إذن - فيما أعتقد - أن نظل ضفادع تتجاوب في ظلمات الليل، وندل على أنفسنا المستعمرين من هنا وهناك.»
Unknown page