Lughz Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Genres
على أنه لا بد من القول: إن معتقد الخلاص الجديد قد مارس بدوره تأثيرا قويا على معتقدات الخلاص التي نافسته ردحا من الزمن قبل أن تنهزم أمامه إلى الأبد، فبعض معتقدات الخلاص الغنوصية التي نشأت في الشرق القديم، وامتدت إلى العالم اليوناني الروماني خلال القرون الثلاثة التالية للميلاد، قد جعلت من السيد المسيح نفسه مركزا لطقسها ومعتقدها. كما قامت المعتقدات الأقدم بانتحال بعض خصائص المخلص الجديد ونسبها إلى آلهتها. فأتباع الأورفية مثلا قد أخذوا يصورون في أعمالهم التشكيلية أورفيوس معلقا على الصليب (الشكل رقم
10-1 )؛ مما يدل على أن كل ديانة كانت تحاول استمالة أتباع الديانة الأخرى، عن طريق الاستعارة منها، وصب رسالتها في قوالب مفهومة لديهم ومقدسة عندهم.
وبعد، لعل الزقاق القديمة، كما رأينا، لم تفسد الخمر الجديدة، والخمر الجديدة لم تشقق الزقاق القديمة، بل لقد حفظت الزقاق خمرها جاهزة في كل آن للمؤمنين بجوهر الإلهي لا بحرفية اللاهوت وطرائق الكهنوت.
مريم المخلصة
لا تمدنا الأناجيل الأربعة الرسمية بمعلومات كافية عن السيدة مريم، التي تبدو شخصيتها غامضة وغير واضحة المعالم عبر سيرة السيد المسيح. فبشارة الملاك لمريم بالمولود الإلهي لا ترد إلا في إنجيل لوقا. وفي القليل الذي أورده إنجيل متى عن طفولة المسيح، لا تتضح العلاقة بين الأم والابن، ولا دور الأم في تربية وتنشئة ابنها. وعندما تريد المشيئة الإلهية إنقاذ العائلة المقدسة من بطش الملك هيرودوس يهبط الوحي على يوسف النجار ليأمره بالهرب إلى مصر هو وأسرته، وعندما يموت هيرودوس يهبط عليه ثانية ليأمره بالعودة. وفي كلا الإنجيلين تنتقل بنا الأحداث بسرعة عبر طفولة المسيح الغامضة، لنجد أنفسنا فجأة أمام يسوع الرجل يعتمد بماء الأردن. أما إنجيلا مرقس ويوحنا فيبتدئان بحادث الاعتماد، وما يليه من بدايات التبشير دون أي ذكر لميلاد يسوع وطفولته وحداثته.
وعبر حياة السيد المسيح التبشيرية القصيرة، لا نستطيع أن نتبين للسيدة مريم دورا خاصا. وفي المواقف التي تجمع يسوع بأمه، لا نجد أصحاب الأناجيل يصرفون الأذهان إلى مريم، بل يبقى الابن في مركز الصورة وبؤرتها. نقرأ في إنجيل مرقس على سبيل المثال: «فجاء حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجا وأرسلوا إليه يدعونه، وكان الجميع جالسا من حوله ، فقالوا له: هو ذا أمك وإخوتك خارجا يطلبونك، فأجابهم قائلا: من أمي وإخوتي؟ ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال: ها أمي وإخوتي ... لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي.»
66
وفي إنجيل لوقا نقرأ: «وفيما هو يتكلم بهذا، رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له: طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين أرضعاك. أما هو فقال: بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه.»
67
وعندما يتكلم الابن والأم مع بعضهما البعض، لا تنبي طريقة تخاطبهما بعلاقة خاصة، بل العكس؛ إذ يسود جو من الموضوعية بينهما. ولعل في حادثة عرس قانا، الذي دعيت إليه مريم كما دعي إليه يسوع وتلاميذه في اليوم الثالث لهبوط الروح القدس؛ مثالا على ذلك: «وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك. ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس. ولما فرغت الخمر، قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر. فقال يسوع: ما لي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد.»
Unknown page